إن المشاكل المطروحة في هذا الكتاب لا يبتعد كثيراً عن هواجس الإنسان الأول، الذي طارده شبح الموت في كل خطوته، فراح يبحث عن الخلود هرباً منه، بيد أن جلجامش الحائز على نبتة الخلود ضيّع وفي لحظة استرخاء، كنزه الثمين ليواجه بذلك أفراد جنسه المصير الحتمي الذي لا مفرّ منه.. إنه.....

إن المشاكل المطروحة في هذا الكتاب لا يبتعد كثيراً عن هواجس الإنسان الأول، الذي طارده شبح الموت في كل خطوته، فراح يبحث عن الخلود هرباً منه، بيد أن جلجامش الحائز على نبتة الخلود ضيّع وفي لحظة استرخاء، كنزه الثمين ليواجه بذلك أفراد جنسه المصير الحتمي الذي لا مفرّ منه.. إنه.. الموت.
وهكذا تقلّص الحلم لدى أحفاد جلجامش من العيش الأبدي لدى جدهم إلى الحلم بالعيش لأطول فترة ممكنة بأفضل قواهم العقلية وبأقل مستوى من الآلام التي ترافق الإنسان في نهاية عمره. فهذا البحث الدؤوب عن رقية أو شعوذة أو دواء لإبعاد خطر المرض أو الموت الداهم إلا رغبة جامحة نحو عيش أطول مهما قدمنا من الأعذار الأخرى؟

إذاً هل يشكل البحث عن إكسير الشباب وأبعاد الشيخوخة أو محاولة تأجيلها في وقتنا الراهن جهداً عبثياً لا طائل منه؟ كيف تداهمنا الشيخوخة وما هي الآليات التي تؤدي إلى ذلك؟ لماذا يعيش بعضنا أكثر من الآخر؟ هل السبب في اختلاف موروثاتنا أم في اختلاف استعداداتنا إزاء تحمل تلوث البيئة والإجهادات الأخرى التي تسببها حضارتنا المعاصرة؟

إن الكتاب الذي بين أيدينا يحاول أن يقدم إجابات عن هذه الأسئلة وعن أخرى غيرها تراود ذهن القارئ، حيث يفند المؤلف-الباحث وبالاعتماد على خبرته النظرية والتطبيقية معاً، الأسس البيولوجية للشيخوخة ويكشف العلاقة القائمة بين التعمير (طول العمر) وآليات مقاومة الجسم للمواد الكيميائية الملوثة للوسط المحيط وكذلك مقاومة الإشعاعات ذات التأثير المسرطن.

إن الخبرة المهنية للمؤلف كباحث في مسألة الشيخوخة، وكاختصاصي في مجال البيولوجيا الإشعاعية وآليات التأثر الوراثي بمولدات الطفرات الكيميائية، ساعدته في تقديم البرهان على المسائل المطروحة بشكل واضح وعميق. ويشهد على المستوى الرفيع للباحث-المؤلف وعلى فهمه العميق لمشاكل الشيخوخة ومدى ارتباطها مع مشاكل ايكولوجيا الإنسان، ما تضمنه تقرير اللجنة العلمية الدولية التابعة للأمم المتحدة في النصف الأول من الثمانينات عن التأثير البيولوجي للإشعاعات الذرية والمعدّ لأكبر قطاع من البيولوجيين في العالم.