تنتمي أطروحة الباحث الأستاذ محمد عبد الواحد العسري من حيث الهدف العلمي إلى عصرها. لأنها على الأقل تكشف عن مرحلة من تاريخ الفكر المسيحي في علاقته بالفكر الإسلامي في إطار مجتمع أو بلد قُدِّر له أن يعيش هذه العلاقة بزخمها تعايشاً أو صداماً، توافقاً أو تخالفاً. [....] وإذا كان...
تنتمي أطروحة الباحث الأستاذ محمد عبد الواحد العسري من حيث الهدف العلمي إلى عصرها. لأنها على الأقل تكشف عن مرحلة من تاريخ الفكر المسيحي في علاقته بالفكر الإسلامي في إطار مجتمع أو بلد قُدِّر له أن يعيش هذه العلاقة بزخمها تعايشاً أو صداماً، توافقاً أو تخالفاً. [....] وإذا كان الاستشراق الإنكليزي والأميركي قد حظيا بالاهتمام الأكبر في هذا المجال فإن الباحث محمد عبد الواحد العسري رأى أن الأَولَى في هذا السياق دراسة الاستشراق الإسباني، لانطلاقه من معايشة تاريخية بين المسلمين والنصارى تشكل مرجعية لا غنى عنها. ولكونها تمخَّضت عن تجربة كان فيها الأندلس ملتقى للشرق والغرب، وللمسيحية والإسلام، وللمغاربة والإسبان. [....] هذه هي الدوافع التي حملت الباحث محمد عبد الواحد العسري على تقويم منظور الاستشراق الإسباني للإسلام، بعد أن اكتشف ميدانياً أن هذا الاستشراق لم يفعل أكثر من إعادة إنتاج نفس الأحكام والمواقف، فاضطر للنبش في الأصول، وتمحيص الأقاويل في منابعها، فجعل بحثه يمتد من عصر ريموندس لولوس إلى عصر أسين بلاثيوس [....] إن البحث، وهذه ميزته الأساسية، تجسيد لمعالجة الباحث لإشكالية الهوية الإسلامية في منظور الغير إليها. وهي نتاج حميمي الصلة بوجدانه، وللانشغال الذي لا يبرح مكانه من عقله. [....] والواقع أن لبحث الأستاذ محمد عبد الواحد العسري مزية كبيرة أخرى تتجلى بالذات في وفرة المراجع التي اعتمدها من عربية وإسبانية وفرنسية أو المنقولة إليها. وكذا المراجع المكتوبة باللاتينية والكتلانية والإيطالية والإنكليزية. [....] وميزة أخرى تحسب لهذا البحث، أو في مقدمة ما يجب أن يحسب له، وهي استقلالية الفكر عند الباحث. فهو يقرأ ويتتبع، ويحلل الآراء ويقارن وينتقد. فالأطروحة من هذه الناحية قراءة وتمحيص واستنتاج. [....] وقد ظل الباحث الأستاذ محمد عبد الواحد العسري متواضعاً كما يجب أن يكون في إبراز ملاحظاته غير حاسم في اتخاذ المواقف، فينتظر أن يظهر من الأبحاث أو يقف على الآثار التي من شأنها أن تحمله على مراجعة أحكامه. مقدراً في آخر المطاف الجهد العظيم الذي بذله المستشرقون الإسبان في دراسة الإسلام وتراثه، والوقوف على مواطن قوته..." ولإنجاز ذلك، يتضمن هذا البحث إلى جانب المقدمة، مداخل تاريخية ومنهجية، وثلاثة أبوااب وخاتمة وذيّل بلائحة مصادره ومراجعه المختلفة والمتعددة. لقد تطرق المؤلف في هذه المداخل إلى مختلف القضايا المتعلقة بتعريف الاستشراق بصفة عامة والاستشراق بصفة خاصة، ومختلف الإشكالات المتعلقة بالمنهجية الملائمة لمعالجة الاستشراق. وجاء الباب الأول مخصصا لدراسة مسألة الاستشراق الإسباني وتصوراته من خلال تناول بدايته وروافده. أما الباب الثاني، فتناول في الاستشراق الإسباني فبما بين عصر النهضة ونهاية القرن التاسع عشر. وأفرد الباب الثالث والأخير من هذا الكتاب لمعالجة تصورات ميغيل أسين بلاثيوس للإسلام وللفكر الإسلامي؛ وذلك بالنظر إلى المكانة المتميزة التي يحتلها هذا المشرق في التاريخ المعاصر للاستشراق الإسباني والاستشراق العالمي على السواء.