اهتم علماء المسلمون بالفقه-دراسة وتدريساً-فهو الذي يبين لهم أحكام العبادات وينظم معاملاتهم برسم خطوط تحول بينهم وبين الارتطام بالحرام، حتى يجعل من حياة الفرد قائمة على أساس الشريعة الإسلامية، لذلك كثرت المصنفات الفقهية بمتونها المعتصرة وما دار حولها من شروحٍ وحواشٍ...
اهتم علماء المسلمون بالفقه-دراسة وتدريساً-فهو الذي يبين لهم أحكام العبادات وينظم معاملاتهم برسم خطوط تحول بينهم وبين الارتطام بالحرام، حتى يجعل من حياة الفرد قائمة على أساس الشريعة الإسلامية، لذلك كثرت المصنفات الفقهية بمتونها المعتصرة وما دار حولها من شروحٍ وحواشٍ وتقريرات وتعليقات. ومع أن الفقه المالكي هو المذهب السائد على امتداد المغرب العرب كلِّه وفي أماكن أخرى متفرقة بمصر والخليج، إلا أن كتبه لم تلق العناية اللازمة في العقود الأخيرة، وبقيت مختصات المذهب ومطوّلاته حبيسة الطبعات التي صدرت أوّل القرن الماضي، وأسيرة المخطوطات. وإسهاماً في رفع الغبن عن مذهب تتعبد به شريحة واسعة من المسلمين عنى "أحمد الصاوي" بتحقيق هذه الطبعة من كتاب "بلغة السالك لأقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك" وهو حاشية للشيخ أحمد الصاوي على شرح متنٍ للشيخ أحمد الدردير، ويمتاز هذا الكتاب على سابقيه بأن اقتصر فيه صاحبه على الرَّاجح من الأقوال، وأبدل الأقوال غير المعتمدة المذكورة في مختصر خليل، بأقوال معتمدة في المذهب. وإذا لم يظهر له ترجيح بين قولين فإنه يذكرهما معاً. ولعل هذا ما جعل العديد من كليات الشريعة والمعاهد الدينية تجعل من "البلغة" العمود الفقري لمناهجها في تدريس الفقه المالكي سواء في دروس الفروع أو القضاة.
ورغم أن الكتاب عُمدة في فقه المذهب المالكي. جمع جهد عالمين من الطبقة الأولى من الفقهاء، إلا أنه ظل جوهرة مصاغة بين طبعة رديئة وأخرى مشوّهة، ولذلك آثر المحقق تقديمه في هذه الحلة الجديدة معتمداً على ثلاث طبعات له هي: طبعة البابي الحلبي المصرية، طبعة دار الكتب العلمية-بيروت، طبعة دار السودانية للكتب، فقابل بين هذه النسخة المطبوعة بغية الوصول إلى أكمل وأضبط نصّ للكتاب مستفيد من حسنات الطبعات السابقة، ومتجاوز سيئاتها. وزيادة في تيسير الكتاب لقارئه خرّج أحاديثه تخريجاً مقارباً دون تتبّع، ووضع التخريجات مع فهرس الأحاديث في نهاية الجزء الرابع، ولون متن "أقرب المسالك"، كما ذيل الكتاب بفهرس للآيات والأحاديث تسهيلاً للالتماس الدليل.