يمثل هذا التفسير لأبي بكر الحداد اليمني المتوفى سنة ثمانمائة من الهجرة 800هـ حضارة وتقدماً علمياً وثقافة إسلامية لذلك القطر العربي الإسلامي العريق في حضارته والمزدهر في ثقافته. وعلى الرغم من أنه تفسير مختصر بالنسبة إلى غيره من المطولات إلى أن اختصاره غير مخلّ، فهو اختصار، عالم مدقق، وفقيه فاحص محقق، إذ يشتمل على أمور هامة في التفسير، ويمثل منهجاً علمياً دقيقاً يجع بين الرواية والدراية، أو بين الاتجاهين: الأثر والرأي في التفسير حيث يذكر الإمام الحداد في مؤلفه ما يتعلق بالرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته وتابعيهم، وآراء غيرهم من علماء سلف الأمة، كما يقوم بشرح المفردات اللغوية، منبهاً على القبائل العربية التي تستعمل تلك المفردات في لغتها، مستشهداً على ذلك بالأشعار العربية جاهلية وإسلامية، ذاكراً ما تشتمل عليه الألفاظ القرآنية من القراءات، ونسبتها إلى القارئين بها، موضحاً توجيهها، مورداً ما يحتاجه المقام من القواعد الإعرابية، والأسرار البلاغية، خاتماً مناقشاته التفسيرية بما يستفاد من الحكم والأحكام، مستدلاً على ذلك بما يؤيده من النصوص القرآنية، والأحاديث النبوية المتصلة بما يناقشه، متعرضاً لأقوال وآراء علماء المذاهب، والفرق الإسلامية، كاشفاً عن رأيه، مرجحاً ما يختاره، بعيداً عن التعصب والتحامل على العلماء المخالفين له في الرأي والاتجاه المذهبي. وبالرغم مما امتاز به هذا التفسير، فقد بقي مخطوطاً إلى أن تناوله الدكتور محمد إبراهيم يحيى بالاهتمام، فأخرجه إلى حيّز النشر في هذه الطبعة محققاً.
وزيادة في الفائدة، عمد الدكتور محمد إلى جعل بين يدي هذا التفسير مدخلاً يتكون من ثلاثة أبواب. الباب الأول: القرآن الكريم، نزوله وتعلمه. الباب الثاني: تفسير القرآن نشأته وتطوره. الباب الثالث: الحداد وطنه وتفسيره. وقد قام في دراسته بالكشف عن منهج المؤلف وطريقة تأليفه، موضحاً كيفية تعامله مع مصادره معتمداً على نصوصه التي وضعت على صورتها أمام القارئ. بالإضافة إلى ذلك فقد تناول المحقق أيضاً وطن المؤلف إلى عصره الذي عاش فيه كاشفا عن تأثره بثقافة أمته، ومساهمته بإنتاجه العملي فيها.