-
/ عربي / USD
في أوائل عهد الصحابة كانوا يكتبون الحديث بجوار القرآن في صفحة واحدة، فخشي رسول الله صلى الله عليه وسلم من اختلاط السنة بالقرآن، فنهى عن كتابة الحديث، وقال: "لا تكتبوا عني غير القرآن ومن كتب عني غير القرآن فليمحه". فلما استقر القرآن في الصدور، وكتب في السطور، وأمن صلى الله عليه وسلم اختلاط الحديث به أذن بكتابة الحديث، فكان لعبد الله بن عمرو رضوان الله عنهما صحيفة، وكان لعلي رضي الله عنه صحيفة، وأمر صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يكتبوا حديثاً لأبي شاه.
وهكذا كتب كثير من الصحابة أحاديث في عهده صلى الله عليه وسلم كتابات متفرقة في صحائف متفرقة. ولما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة، ورأى موت كبار الصحابة، وخشي على السنة الضيع كتب إلى ولاته في الأمصار أن يجمعوا الحديث-وكان ذلك على رأس المائة من الهجرة-وبدا بذلك تدوين السنة، لكن هذا التدوين اختلط فيه الحديث المرفوع بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين، مما عرف فيما بعد بالحديث الموقوف والحديث المقطوع، كما دخل الدخيل في الحديث أثناء الجمع والتدوين بفعل الفرق الإسلامية المتناحرة، وبفعل أعداء الإسلام.
كانت الحاجة ماسة لتصفية الحديث المجموع من الشوائب والموضعات، واستخراج مجموعة نقية صافية من هذا الكم الهائل، فكان عمل الخباري المولود سنة 194هـ. والمتوفى سنة 206هـ. وكان أول من جمع الصحيح المجرد في كتاب، اصطفى فيه من ثلاثمائة ألف حديث كان يحفظها متناً وإسناداً، اصطفى نحو أربعة آلاف ونصف الألف من غير المكرر، ونحو سبعة آلاف وخمسمائة بالمكرر ويقول الحافظ ابن حجر: إن البخاري يذهب إلى جواز تقطيع الحديث، مما يوهم من لا يحفظ الحديث أن المختصر غير التام، فمن أراد عد الأحاديث التي اشتمل عليها الكتاب يظن أن الحديث الواحد حديثان أو أكثر، وقد وقع في ذلك من حكى أن عدته بغير تكرار أربعة آلاف أو نحوها، كابن الصلاح والشيخ محيي الدين ومن بعدهما، وليس الأمر كذلك، بل عدته على التحرير 2513 (ألفا حديث وخمسمائة حديث وثلاثة عشر حديثاً).
وكان أمام البخاري هدفان: الأول: أن يجمع صفوة الأحاديث وأعلاها من حيث الصحة، وقد اتفق علماء المسلمين، سلفهم وخلفهم على أنه حقق هذا الهدف تحقيقاً غير مسبوق وغير ملحوق. الهدف الثاني: توزيع هذه الأحاديث على كتب وأبواب فقهية وغير فقهية، وهذا ما جعلهم يقولون: البخاري محدّث وفقيه، وهو لهذا الهدف كرر الأحاديث في أماكن، حسب ما يستنبط منها من أحكام وحتى وضع الحديث الواحد في نحو أربعين موضعاً، وهو لهذا الهدف قطع الحديث إلى أجزاء، أخرج جزءاً منه هنا، وجزءاً منه هناك.
ومن هنا خطر للدكتور "موسى شاهين لاشين" أن يضع كتاباً يجرد فيه أحاديث البخاري من التكرار، كما يجرده من الأسانيد إلا من الراوي الأعلى، كما يجمع الأحاديث التي تقطعت أوصالها في كان واحد، ملتزماً باستيعاب كل كلمة يخرجها في مكان ما، بل ملتزماً بالأبواب وعناوينها، وما ذكره فيها من احكام، وما استشهد لها بآثار، كما خطر له أن يشرح شرحاً موجزاً جداً هذا الكتاب تيسيراً لقارئه أن يفهم ما يقرأ.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد