-
/ عربي / USD
"إرشاد الحيران إلى توجيهات القرآن" للأستاذ الشيخ أحمد عبد السلام أبومزيريق، أكبرُ أبحاثه العلمية وأهمّها، ويُعتبر إضافةً إلى المكتبة القرآنية والإسلامية، التي افتقرت منذ زمن إلى المنجزات العلمية التي تنتمي إلى طائفة الكتب الموسوعية الكبيرة في علوم القرآن. وهو أول تفسير يسير فيه مؤلفه على قراءة قالون عن نافع المدني، ولم يخرج عنها إلى غيرها من القراءات الأخرى رسماً وضبطاً، كما أن المذهب الفِقهي الذي اعتمده المؤلف مذهباً رئيساً في تأويل المسائل الفِقهية هو مذهب أهل المدينة.. مما جعل هذا التفسير مدنيًّا بامتياز.
لقد حثّ القرآن الكريم على التأمل والتدبّر والنظر المستمر الذي لا يعرف التوقف عند حد معيَّن، قال تعالى: ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ ولذا فإنه لا مجال لسيطرة فكرة واحدة قد تقيّد النص وتحجِّم من محاولات وطرائق استنباطه. كما أن النص القرآني الكريم حمّال دلالات عدة، ووجوه للتأويل متشعبة، بحيث غدا نصًّا متشظيَ الدلالات، متسع المعنى، مفتوحاً لطرق الاستنباط والتأويل الموضوعيين المرتبطين بطبيعة النص القرآني من حيث بنيته، وأنظمته، ورؤاه، ومستودعه المعرفي والإنساني.
وتأسيساً على ذلك فقد اجتهد الشيخ أحمد أبومزيريق لتقديم قراءاته للنص القرآني، تحمل في طياتها آفاق التعامل مع هذا النص، مستفيدة من منجزات نخبة من المفسرين الكبار كالطبري، والألوسي، وابن عاشور، وسيّد قطب.. وقد ارتكزت تأويلات الشيخ أبومزيريق على جوانب مختلفة لتقديم قراءة تعكس صلاحية النص القرآني لكل زمان ومكان، ومحققة طروحات إعجاز هذا النص من خلال التحليل الدقيق لمعطياته المكنونة في نظامه البنيوي.
ففي مبحث المفردات اللغوية يستعرض معانيها، دون توسع وإطناب، وفي مبحث الإعراب نأى المؤلف عن الخلافات النحوية، وتعدّد أوجه الإعراب، واقتصر على وجه إعرابيّ واحد، وفي مبحث الأسلوب البلاغي اهتمّ بتقنيات الصورة البلاغية وجمالها في النص القرآني، على اعتبار أنها أحد أوجه الإعجاز في هذا النص، ثم ينتهي إلى خلاصة المعنى العام وما فيه من التوجيهات والأحكام باعتبارها الهدف الأعلى والمقصد الأسمى لهذا التفسير.
ويستند الشيخ أبومزيريق في هذا المنهج على أن هذه العلوم ليست مقصودة لذاتها، وإنما هي وسيلة مساعدة لفهم النص، ولذا فقد حمَّل تفسيره بعض أفكاره وتأملاته للنص القرآني؛ لأن هذه التوجيهات، هي هدفه ومقصده، ولهذا لم يسمِّ كتابه (تفسيراً) كما جرت عليه غالبية من كتبوا في هذا الفن، بل هي إرشادات إلى توجيهات النص؛ فلا يمكن لبشر إدراك نص إلهيّ مقدس معجز، وإنما كل إنسان يفهم منه حسب مقدرته واستعداده، وهذا ما حاول الشيخ أن يؤكده في هذه الإرشادات والتوجيهات، مقتدياً ومتأثّراً بمن سبقه من العلماء، الذين جعلوا خدمة النص القرآني، غايتهم وهدفهم، متوسلاً إلى ذلك بقراءات محتملة للنص القرآني، اقترحت أدوات إجرائية معروفة، ووظفت الجرأة المطلوبة في القراءة الجادّة، والتي لا تزعم لنفسها أنها القراءة الأولى أو الوحيدة.
انطلق المفسرون القدامى من اتجاهات شتّى في بيان دلالة النص القرآني بأبعاده المختلفة، النصية الإرشادية، والبلاغية الإعجازية، واللغوية النظامية، والفِقهية الشرعية، والمجمل والمفصل، والمحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ، والقصص والعبر والعظات، ونحو ذلك.
وقد حرص الأستاذ الشيخ أبومزيريق في كتابه هذا على تتبّع المفسرين السابقين وانكبّ على كتبهم ليشكّل منها رصيداً معرفياً ومرجعية علمية مهمة وجمع منها مباحث لغويّة وأساليب بلاغيّة وأوجه إعراب نحويّة وأحكاماً وتوجيهات شرعيّة. وقد حاول الخروج من الجمود الذي أصاب القراءات التأويلية للقرآن الكريم، التي نحت به نحو الخرافة والإيغال في السرد التاريخي أو الانشغال بالتفاصيل والخلافات النحوية عن الإرشاد والهداية التي هي الغاية العظمى المنشودة لبني الإنسان على هذه الأرض
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد