يمثّل ابن عربي نموذجاً ممتازاً للفكر المتيقّظ المنفتح على ثقافة عصره بكل مكوّناتها، والذي جعل من القراءة والتأويل مهنته الدائمة، بعد أن اتخذ من القرآن الكريم ومن الكون المنظور معاً "كتابين متناظرين" يُحيل أحدهما إلى الآخر، ويقف الإنسان بينهما، دون غيره، موقف العاشق...
يمثّل ابن عربي نموذجاً ممتازاً للفكر المتيقّظ المنفتح على ثقافة عصره بكل مكوّناتها، والذي جعل من القراءة والتأويل مهنته الدائمة، بعد أن اتخذ من القرآن الكريم ومن الكون المنظور معاً "كتابين متناظرين" يُحيل أحدهما إلى الآخر، ويقف الإنسان بينهما، دون غيره، موقف العاشق المولَّه، المهموم بإكتناز أسرار الوجود و"قراءة" كلماته السارية فيه... ومن المؤكّد أن ابن عربي لم يكن أبداً منشئ "عقيدة" ولا مبتدع "شريعة" فلطالما أعلن عقيدته الإسلامية بوضوح، ولطالما دافع عن "ظاهريّته" في باب الشريعة. لقد اهتدى المؤلِّف إلى أسلم الطرق حيثما جعل الإطار المناسب للتعرّف إلى فكر الشيخ الأكبر هو الإطار المعرفي والإطار الوجودي، وسلك الفينومينولوجيا منهجاً أو رؤية مناسبة تعانق هذين المجالين بقوة وبكيفية مباشرة. من ثم كان الإختيار المنهجي في هذه الدراسة الفلسفية المعمّقة اختياراً واعياً: فرض على صاحبه أن يغربل أوّلاً مفهوم الفينومينولوجيا نفسه ويختار منه الجانب الأنسب ليلائم المتن الأكبري، وليس غريباً أن يجد المؤلف في فينومينولوجيا هيدغر نموذجاً "مرشداً" للوقوف على نجاعة هذا المنهج الفلسفي وفائدته في إعادة قراءة فكر ابن عربي، برغم ما تنطوي عليه هذه القراءة من مغامرة حقيقيّة بالنظر إلى الصعوبات المعروفة في المتن الأكبري.