كتاب "الشواهد الواضحة النهج" لأبي عبد الله أبن رضوان، ليس نصاً أندولسياً خالصاً، لكنه ينتسب إلى ذلك الأدب بنسب كبير، إذ إنه شرح لقصيدة جده الأعلى أبي القاسم ابن رضوان المالقي المسماة بـ"المنفرجة" والتي تعد أحسن تعبير عن أدب "بكاء الأندلس" وسقوطها، ذلك أنها قيلت بمناسبة هزيمة...
كتاب "الشواهد الواضحة النهج" لأبي عبد الله أبن رضوان، ليس نصاً أندولسياً خالصاً، لكنه ينتسب إلى ذلك الأدب بنسب كبير، إذ إنه شرح لقصيدة جده الأعلى أبي القاسم ابن رضوان المالقي المسماة بـ"المنفرجة" والتي تعد أحسن تعبير عن أدب "بكاء الأندلس" وسقوطها، ذلك أنها قيلت بمناسبة هزيمة المسلمين في آخر المعارك المهمة التي برهنت بما لا يدع مجالاً للشك على سقوط الأندلس القريب، تلك هي معركة طريف 741هـ/1340م. بين ملك قشتالة ألفونسو الحادي عشر وعاهلي غرناطة يوسف الأول والمغرب أبي الحسن المريني، وهي بالتالي تعكس الظروف السياسية والاجتماعية والثقافية لتلك المرحلة. إن قيمة "منفرجة" أبي القاسم تكمن في الناحية التاريخية بأننا نعرف من خلالها، ومن خلال ظروف تأليفها الحالة العامة التي كانت مسيطرة على نفسية أدباء ذلك الوقت، ومن خلالهم على نفسية المجتمع آنذاك، وما كان يسوده من مشاعر الإحباط والإحساس بالهزيمة. ويعتبر كتاب الشواهد في جزء منه مساهمة في الكشف عن الإنتاج الأدبي لفترة مجهولة في تاريخ الأدب الأندلسي، وهي الفترة الأخيرة من الوجود العربي والإسلامي في الأندلس التي تشمل من بين ما تشمل القرن الثامن للهجرة الذي ينتمي إليه مؤلف "المنفرجة". كما أن نشر "الشواهد" يعد مساهمة أخرى في الكشف عن التراث الأدبي الأندلسي بطريقة أخرى، ذلك أن مؤلفه ضمنه كثيراً من الاقتباسات من ذلك التراث. بعضه معروف والبعض الآخر غير معروف، كما حوى نصوصاً أخرى وأسماء كتب لم تعرف من قبل وتعتبر مفقودة إلى الآن. وما بين الدلالة السياسية والتاريخية والقيمة الأدبية ثمة نقل جميل لدخائل ذلك المجتمع المتعلق بالتصوف باباً للخروج من أزماته غير المتناهية التي أوصلت إلى ضياع الأندلس وتشتت أهلها. إنه كتاب أدب وسياسة وتاريخ وتصوف وقبل ذلك وبعده كتاب عبرة وتذكر.