-
/ عربي / USD
في هذا الكتاب تُمعنُ رشا عمران أكثرَ في مراقبةَ عُزلتِها الدَّاخلية، كامرأةٍ وحيدةٍ تُعلنُ منذ الوهلةِ الأولى أنَّها زوجةٌ سرِّيَّةٌ للغيابِ، وترصدُ من حالتِها القلِقة والمُربكة تلك، تفاصيلَ حياتها الخاصَّة، تكتُبها دون أدنى محاولةٍ للإخفاء، بل نلتقي بالشاعرة في أول قصيدةٍ وقد كتبت يومياتِها على جبينِها، دفتر الكتابةِ المُفترض، وهي تمشي في الشوارع المُزدَحمة، وتتلقى من الألم والرجم والرشق بالحجارة ما يجعلُها تكتبُ نصوصًا حيَّة، مليئةً بالكدمات الزرقاء، كما بآثار الحبِّ والخوف والوحشة.
إنَّ أقسى حالاتِ الوحدة هي تلك التي نشعرُ بها وسط الجموع، ومع الأصدقاء وفي الحفلات الراقصة، كلُّما ارتفعت الأصواتُ وزاد الصخب، تمدَّدَ بداخلنا صمتٌ مرعبٌ، وقد لفَّهُ الغيابُ بردائه الأسود، ذلك السوادُ الذي هو امتدادٌ للَّيل والعتمة والحبر الذي تخطُّ به الشاعرة قصائدها على جبينِها، كعاشقةٍ تتسلَّى أمام المرآة بوضعِ مكياجها الخاص لحبيبٍ لم يأت أو أتى وذهب، أو غاب.
تكتبُ في قصيدة كازينو: "أنا "سيئة الحظِّ"، اسمي رشا عمران، أنامُ على بطني في غرفةِ النومِ، وعلى ظَهْرِي تقفُ قطَّتي البيضاءُ، كما لو أنها تقفُ على تَلَّةٍ عاليةٍ، وتُراقِبُ خيالَهَا المُتحرِّكَ على الجدارِ، ثمَّ تقفزُ، كي تلتقطَ حبَّاتِ الرملِ المتطايرةَ منِّي". في مجموعة رشا عمران الجديدة، سنقفُ أمام أبوابٍ مخلَّعةٍ، وضحكاتٍ تلوِّنُ قطعةَ "كانفاس"، وجثَّةٍ للغياب في نصف السرير الفارغ، ورجلٍ تمارسُ عليه امرأةٌ كلَّ أشكالِ الانتظار، والقسوة، واللهفة، والقتلِ، والحب. لكنَّها، تعود وتقول: "في منتصفِ الخمسين، عليكِ أن لا تُحبِّي أبداً، هكذا ستعيشين دونَ حُزنٍ، ستعيشن طويلاً دونَ أن تنتبهي كم ستكونُ حياتُكِ بائسةً بدون تلك الرائحةِ التي تنزُّ من مسامِّكِ الحزينة".
إذا كانت رشا قد كتبت في ديوانها السابق، عن التي سكنت البيت قبلها، وإن تقمَّصت دورَها أحيانًا، فهذه المرَّة لم تكتب سوى عن نفسها، بلغةٍ عاريةٍ، واحترافيةِ فنَّانةٍ في مرسمها، وشغفِ راقصةٍ على المسرح، وحكمةِ شاعرةٍ خبرت الحياة وجنونها، معترفةً: الوحْدَةُ كائنٌ خفيفُ الظِّلِّ/ لا يتركُ خلفَهُ الخِذْلَان والخيبة.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد