اللغة العربية التي تحمل هذا الإسم الآن، هذه اللغة التي أنزل بها القرآن، كانت أحدث لغات الساميين عهداً بالكتابة، وهي مع ذلك أقدم تلك اللغات ميلاداً، وأرسخها قدماً في خصائص العائلة اللغوية كلها. ويبدو أنها، على مشارف الجاهلية الأخيرة، كانت قد تقلص ظلها بين العرب أنفسهم، حتى...
اللغة العربية التي تحمل هذا الإسم الآن، هذه اللغة التي أنزل بها القرآن، كانت أحدث لغات الساميين عهداً بالكتابة، وهي مع ذلك أقدم تلك اللغات ميلاداً، وأرسخها قدماً في خصائص العائلة اللغوية كلها. ويبدو أنها، على مشارف الجاهلية الأخيرة، كانت قد تقلص ظلها بين العرب أنفسهم، حتى أصبحت آخر الأمر لغة مقدسة لهم، تحمل أريج الأسلاف الأوائل، وتستعمل عندما يعظم الخطب، في المناسبات الإحتفالية الكبرى، التي يريد فيها أبناء هذه الامة أن يقولوا، فينتشر عنهم ما قالوه في أحياء العرب كافة، ويبقى على ألسنة الأبناء والأحفاد من بعدهم. وهكذا لهجوا بها في مواسم الحج، وفي الأسواق، ونطقت بها وفودهم السياسية عند المنافرات والأحلاف، وهوّل بها الكهنة والزعماء والفرسان، وإستعملها الأطباء والعرافون لتضفي على ثقافتهم الخاصة مزيداً من الرهبة والجلال، كما ترنم بها الشعراء حتى يحفظوا على فنهم، الذي كان أعز فنونهم، قدسية يستمدها من قدم هذه اللغة، ويضمنوا له ذيوعاً وإنتشاراً لا تصل إليه لهجة من لهجاتهم القبلية المحلية.