احتفل الأشعريون في بلاد اليمن ببلوغ عددٍ من غلمانهم مبلغَ الشبان، وتجاوزِهم فترةَ المراهقة، وعمَّ الفرحُ القبيلةَ بأسرها: رجالاً ونساءً، كباراً وصغاراً، وكانت تلك الليلة ليلةً مشهودة، فلقد أضاء ظلماءها نورُ القمر، واجتمع فيها رجال القبيلة، وخلفهم النساء.ثم تقدم عدد من...
احتفل الأشعريون في بلاد اليمن ببلوغ عددٍ من غلمانهم مبلغَ الشبان، وتجاوزِهم فترةَ المراهقة، وعمَّ الفرحُ القبيلةَ بأسرها: رجالاً ونساءً، كباراً وصغاراً، وكانت تلك الليلة ليلةً مشهودة، فلقد أضاء ظلماءها نورُ القمر، واجتمع فيها رجال القبيلة، وخلفهم النساء. ثم تقدم عدد من شباب هذه القبيلة إلى شيخ قبيلتهم، فَلاَثَ على رأس كل واحدٍ منهم عِمامة، ثم تكلم في الجمع كلمة عبَّر فيها عن إعتزازه بهذه الطائفة من أبناء قبيلته التي بلغت مبلغ الشبَّان، وَرَجا لهم مستقبلاً سعيداً، وحثَّهم على أن يحفظوا كرامة قبيلتهم، وأن يكونوا شجعاناً في الذَّوْدِ عن شرفها، وطَلَبَ إليهم أن ينسجوا على منوال أبيهم الأول: نَبْت بن أُدد، الذي اشتُهِر بلقب (الأشعر) لأن أمه ولدته وعليه شَعَر، والذي كان عظيمَ الشأن، كبيرَ القدر بين الناس.
وبعد كلمة شيخ القبيلة انصرف الحضور إلى الشراب والغناء والفرح، وقضَوْا في ذلك شطر ليلتهم.
وكان من بين أولئك المراهقين الذي احتفل بمبلغهم مبلغ الشبان (عبد الله بن قيس، بن سُلَيم بن حضّار... بن الأشعر... بن يعرب بن قحطان)، كان شاباً قصيراً، خفيفَ الجسم، قد اخضرِّ شاربه وسال عِذاره، وكان يتيماً يعيش في رعاية أمٍّ له وأخوين يَكْبَرَانِهِ، يقال لأحدهما: أبو بُرْدة، وللآخر: أبو رُهْم.
بَيْدَ أنْ هذا الشاب كان يمتاز من سائر شباب قومه الصغار؛ بِوَفْرة ذكائه، ورجاحة عقله، وبُعْدِ نظره، وإعمال تفكيره، وبُعدِهِ عن التقليد الذي ناء بكَلْكَله على جميع العرب في جزيرتهم.