في "الدرب الضيق إلى مجاهل الشمال" يقدم الروائي الأسترالي ريتشارد فلاناغان محكيه روائية عن تجربة والده كأسير خلال الحرب العالمية الثانية لدى الجيش الياباني, إنها قصة دوريغو إيفانز مع الحرب والإعتقال وحبه لإيمي, وعبر التداعي الحدثي تتبلور قصة إيفانز الطبيب الجراح الذي يعتقل...
في "الدرب الضيق إلى مجاهل الشمال" يقدم الروائي الأسترالي ريتشارد فلاناغان محكيه روائية عن تجربة والده كأسير خلال الحرب العالمية الثانية لدى الجيش الياباني, إنها قصة دوريغو إيفانز مع الحرب والإعتقال وحبه لإيمي, وعبر التداعي الحدثي تتبلور قصة إيفانز الطبيب الجراح الذي يعتقل في مخيم للعمل على خط السكك الحديدية بين تايلاند و بورما, المعروف ب "سكة الموت", وهو يحاول مساعدة الرجال الذين يواجهون الموت.
الرواية يطغى عليها سمات التعبير عن "إنكسار الحلم" و "خيبة الأمل" و الفضاء الوجداني "الملهم" بفعل الظروف الآليمة التي عاشها والد الروائي, السجين رقم (335), والذي نجا من قسوة الإعتقال, ومن هذه الزاوية يمكن القول أن الرواية تشخص الذات / الرواية في ترجمة تفاصيل النظر إلى ذلك الماضي الآفل, و بالإنتقاد المرير للحرب والحاضر الإنساني الذي انتهى إليه فلاناغان, وهو يقول "شعرت بأنني أحمل في داخلي شيئاً ما نتيجة لنشآتي كطفل تأثر تجربة سكة حديد الموت, فالناس تفيق من الصدمة الكونية, لكن الجرح لا يندمل عنهم, بل يمرر للآخرين".
ولعل هذا القول يأتي نتيجة أن الروائي كان قد أمضى وقتاً طويلاً مع والده قبل وفاته, الذي حدَثه عن التفاصيل الأدق لتجربة معسكر الإعتقال, عندما قال: "كنت مهتماً بالأمور الصغيرة, رائحة الجلد المتعفن, وطعم الأرز الفاسد عند الإفطار, والإحساس بالوحل", وبهذا المعنى يكون السرد تمثل للذاكرة, والسعي إلى تضمين ما تسرب إلى اللاوعي, من إنطباعات و وقائع و حدوس, في محكية تتوسل كل الإمكانيات التعبيرية للفن الروائي.
وعلى جدران الذاكرة المتناسلة المرسومة على صفحات حياة البطل, تكشف الرواية عن قصة حب محرم على شاطئ أديلاند, فالجراح الأسترالي دوريغو إيفانز, يقع في علاقة حب مع زوجة عمه التي تصغره بالسن, وهنا يمتلك الألم السردي قدرة فريدة على ترجمة مشاعر الحب, ورويها, وهي تستمد وقعها النافذ من الطبيعة المعقدة للكائن البشري, ورصد خصائص الطبع والسلوك الأنسانيين, اللذان يجمعان في وقت واحد بين ألم الحرب و فرح الحب, حتى عندما يكون محكوم على العلاقة بالفشل.
"الدرب الضيق إلى مجاهل الشمال" رواية عن الحب و الحرب, عن الجلاد والضحية, عن الألم والأمل, صدرت عن تجربة "شخصبة جداً وأليمة" كما وصفها ريتشارد فلاناغان الذي أكد أنه كتبها ليتجاوز حجرة عثرة بداخله وكانت هدية لوالده الذي توفي