إن كتاب "خصائص أبي بكر الصِّدّيق رضي الله عنه والموقف من خلافته"، جاء مبيِّناً بشكلٍ لا لبس فيه: أنَّ من يخرج على إمامة أبي بكر رضي الله عنه إنَّما يردُّ خيارَ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وإن تستَّر ببعض الحُجج الواهية فلا ساتر له، ولن ينضمَّ إلى جماعة المسلمين مَن لم يتَّخذ...
إن كتاب "خصائص أبي بكر الصِّدّيق رضي الله عنه والموقف من خلافته"، جاء مبيِّناً بشكلٍ لا لبس فيه: أنَّ من يخرج على إمامة أبي بكر رضي الله عنه إنَّما يردُّ خيارَ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وإن تستَّر ببعض الحُجج الواهية فلا ساتر له، ولن ينضمَّ إلى جماعة المسلمين مَن لم يتَّخذ خليفةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إماماً له بعد النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومن تشكَّك في ذلك فإنَّما هي هاوية الرِّدَّة بألوانها المتعدَّدة؛ ذلك أنَّ الناس انقسموا إلى ثلاثة أقسام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم: "قسم يقوده خليفة رسول الله أبو بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه، ومِن حوله الفاروق وذو النُّوَرين وعلي وطلحة والزُّبير وبقية العشرة المبشَّرين بالجنَّة، ومن روائهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعيهم بإحسان رضي الله عنهم"، "وقسم المرتدِّين الَّذين يقودُهم مُسَيلِمةُ الكذَّاب والأسودُ العَشْيُّ وطُلَيحة الأسديُّ وسَجَاح التغلبية، ومن استغفلوه من الغَوغاء والجهلة والمنتفعين والسُّوقة ومن لا خَلاَق لهم"، "وقسم ثالث عاد إلى التعاون مع الشرك والمشركين يقترب أو يبتعد من المتنبئين بحسب مصالحه، فتارة يردُّ الصلاة، وتارة يمنع الزكاة، وتارة يرفض خلافةَ النبوَّة وإمامةَ الصِّدِّيق رضي الله عنه، ينطبق عليهم قول الله تعالى: ﴿مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً﴾... [سورة النساء الآية: 143].
وقد كان موقف خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا لَبْس فيه ولا غموض، وهو إمَّا السُّنَّة النبوية وهديها وإشراقها؛ وإمَّا الجاهلية وضلالها وظلامها، فلم يقبل خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم مُسالمةَ أحد من تلك المجاميع إلاَّ إذا أعلن القبول بالإسلام تاماً كاملاً كما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم وبخلافة النبوة قيادةً راشدةً لها تمامُ الطاعة وكاملُ الصلاحيات في ترسيخ قيم الإسلام وهدي النبوة وحماية التوحيد والوحدة، اتَّضح ذلك جليّاً حين صرخ الصديق رضي الله عنه صرخته الشهيرة التي لا زال صداها يتردَّد في ضمائر المؤمنين العاملين وأسماع الصالحين والمخلصين، كلَّما مرَّت الأمة بأزمة من الأزمات، وذلك في قوله رضي الله عنه: (أَيُنقَصُ الدِّينُ وأنا حيٌّ؟!).
ولمَّا كان كتاب إمام الأمة وقائدها خليفة رسول الله أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه قد أتى على كل ذلك مُفصَّلاً؛ وأمام إلحاح كثير من الأخيار على وجوب تقريب هذا الكتاب، وتقديم بعضه بثوبٍ جديدٍ شبه مختصر، كانت هذه المحاولة التي لا تُعدُّ إختصاراً لكتاب إمام الأمة بعد النبي صلى الله عليه وإنما هي إختيار لبعض فصوله، لعلَّ ذلك يحقق رغبات من يرى ضرورة الإيجاز، فكان هذا الكتاب الذي يُعرِّف بخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبخصائصه التي امتاز بها من غيره من الصحابة رضي الله عنهم، ويُوضِّح موقف الأمّة من خلافة النبي صلى الله عليه وسلم وبراءتها ممن يرفضها، ويردّ إجماع المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم عليها.