-
/ عربي / USD
اقتضت مشيئة الله تعالى وحكمته أن يجعل بعض عباده أغنياء وبعضهم فقراء... وسخَّر كلّاً من الطائفتين للأخرى... يقول الله تعالى: ﴿وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾.... [الزخرف 32].
والخدم نعمة من الله تعالى على المخدومين لتسهيل أمور دنياهم... يتحمَّلون عنهم أعباء الحياة وهمومها... ويوفِّرون لمخدوميهم الراحة والسعادة.
وقد كثر الجدل في الآونة الأخيرة حول وجود الخادمة لدى كل أُسرة... فهناك من يرى عدم ضرورة وجودها... وهناك من يعتقد أنها جزء أساسي مكمّل للأسرة...
وليست ظاهرة الخدم هي العجب... وإنما العجب أن تكون بهذا الحجمِ الكبير بين ظهرانِينا... يَعُبُّ الناس منها عبّاً... حتى غدت عند البعض عادة وتفاخراً بين الناس... وحبّاً في الرفعةِ والتشبهِ ببَلاطِ السلاطينِ!...
روى مسلم في صحيحه: "أن رجلاً قال لعبد الله بن عمرِو بن العاص: ألسنا من فقراءِ المهاجرين؟... فقال له عبد الله: ألكَ امرأةٌ تأوي إليها؟ قال: نعم... قال: ألك مسكنٌ تسكنه؟... قال: نعم... قال: فأنت من الأغنياء!... قال: فإن لي خادماً... قال: فأنت إذاً من الملوك"....
وقد امتلأت البيوت بالخدم الأجانب من رجالٍ ونساء... مسلمين وغير مسلمين... حتى وصَلت الحال ببعض البيوت إلى أنْ أصبح الخدم أكثر عدداً من أفراد أسرة البيت!...
وأصبح الخدم "موضة"... فمن النساء من تريد خادمة تخرج بها إلى السوق ليراها الآخرون... وتذهب معها إلى كل مكان... ليعرف الناس أنَّ لها خادمةً وشغَّالة.
كما يدَّعي بعض الرجال أنَّه استقدم سائقاً للعائلة... لأنَّه مشغول عنها بأعماله الدنيوية... والسائق متفرِّغ لخدمة الأهل... ورهن طلبهن في أيِّ وقت من الأوقات... إلى السوق والمدرسة... والمولات والمنتزهات!...
فالخدم أمر واقعي في مجتمعاتنا على وجه الخصوص... قد يكون ضرورةً... أو مظهراً إجتماعيّاً... أو ترفاً وتفاخراً... لكنه أمر موجوداً...
وبين حرصٍ على حُسْن التعامل معهم... أو إستعلاء عليهم... أو إفراط في رعايتهم... تتجدد المشكلات وتتنوع... والنتيجة إما أُسرة مظلومة... أو خادمة مظلومة...
وبين هذه وتلك... مشاكل إجتماعية... ومخالفات شرعية... وإنتهاكات خلُقية... وإجحاف وضيْم... وتضييع للذمم والأمانات... وإنتهاك لحقوق من جعلهم الله تعالى تحت أيدينا...
فمن الناس من لا يبالي بالسائقين والخدم... امرأةٌ مع سائق... ورجلٌ مع خادمة... خادمة تتكشف أمام مخدوميها... وسائقٌ تتكشف له مخدومتُه، وكأنه من أولي الإربة من الرجال... أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء!...
تساهلٌ في الأمر وإستخفافٌ به... قال مجاهدٌ رحمه الله: "إذا كثرتِ الخدم كثرت الشياطين"... ووقائع المجتمعات وأحاديثُ المجالس تغُصُّ بها الحلوق وتطفح بها الآذان...
وفي الواقع كثير من القصص... نضعها حية نابضة أمام عيون آباء وأمهات ما زالوا يضعون ثقتهم في سائقٍ... قد يغتال دون علمهم براءة أطفالهم... أو خادمة تسخر في غيابهم من كل قيمة إنسانية في التعامل مع الأولاد!...
ومن هذه الأخطار: إختلاطٌ غير منضبط... ترافقه خلوةٌ محرَّمة... وتوكيلٌ بتربية الأطفال للخادمات... مع غياب الأبوين عن البيت لساعات... وإختلاف دين معظم الخدم عن ديننا والخادمات... ألسنا نرى ما نتج عن هذه الظاهرة من أضرار؟!...
تشويهاً للغة عدد من الأطفال... وإدخالها عقائد فاسدة في عقول بعضٍ آخر... وتنشئتهم على سلوكٍ وعاداتٍ تخالف قيمنا... ومبادئ ديننا الحنيف... ونشر فاحشة الزنى في بعض البيوتات!...
وليس الأجنبي بأصله فقط... بل الأجنبي بعقيدته وسلوكه... ولغته وقيّمه... وكل ذلك ينعكس بأخطاره على بيوت المسلمين والمسلمات...
والأخطر من ذلك عدم إدراك كثير من المسلمين لأبعاد هذا الخطر... وعدم السعي للتقليل من هذه الظاهرة... وتلافي أخطارها قدر المستطاع...
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد