-
/ عربي / USD
مختارات تضيء على الجانب المؤمن من تولستوي، الذي يضخّم هذه العلاقة الجدلية بين الإنسان وفحوى وجوده، مشخصناً بصورة مستفزة وجهة نظره، عبر جعل أبطال قصصه كائنات مأزومة وإنجيلية في آن، تخضع لمرسوم قدري مستسلمة للفناء، جاهزة للمثول أمام البارئ. يعاكس تولستوي هنا نزعته الواقعية التي ميزت عمليه الأكثر أهمية «الحرب والسلم» و«آنا كارينينا». فالشخصيات تصبح محكومة بمنطق تبشيري، في واقع متوتر ومُختَزَل، بدلاً من جعلها تتنفس في فضاء الخطأ الإنساني وتعددية التجارب كالعبث والمجون. كما لو أن تولستوي يعيد تقييم حياته. فيسأل على لسان إيفان إيليتش، الموظف القضائي المرموق، والذي يداهمه المرض في أكثر لحظات حياته سعادة، إذا ما كانت الحياة التي عاشها خطأ بخطأ. هذا إلى جانب تكتيكات يتبعها إيليتش لمناورة الموت أو استبعاده، كأن ينسحب مثلاً نحو ماضيه، ليصبح أقرب إلى متفرج يستمتع برؤية حياة بعيدة تجري لشخص آخر لا يعرفه. قبل أن يبدِّد وعيُه بحتمية هلاك الجسد كل هذه الأسئلة. فيصبح وعياً مخيفاً، يحل كأزمة طارئة، كنموذج للقلق الإنساني وغريزة الإنسان للتشبث بقشة الوجود.
حكاية إيليتش مجرد بيئة أدبية شيّدها تولستوي لتحريك الأسئلة الفلسفية والمتقاسمة في كل الأجيال حول الموت. تجارب كالألم والموت لا تعاش ولا تُجس إلا فردياً رغم أنها تؤلف المصير الجماعي للبشر. نرى مثلاً أن المجتمع الذي يحيط بإيليتش يعيش نكراناً لمأساة الرجل. من الصعب أن يحاط مريض مهدد بالموت بأشخاص متعالين. والأسوأ لو كان من بين هؤلاء الطبيب المعالج نفسه. إيفان، المريض الذي يمتزج فيه الخوف والأمل معاً، لا أحدَ -بما في ذلك زوجته وابنته- يبذل جهداً للتعاطف معه ولو حتى عبر شفقة. ذلك أن الناس لا يريدون أن يروا الموت، لا يريدون أن يكونوا جزءاً من تجربة رجل يحتضر. كأن لا وقت لديهم لذلك. إنهم يسابقون الحياة، ويجاهرون بذلك حول امرئ يسابق الموت وحيداً.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد