-
/ عربي / USD
الكاتب الصومالي الشاب عبدي نور إفتين لا ينبش في تاريخ بلاد القريب، ولا يكتفي بأن يقصر سرده على الحروب العنيفة التي دمرِتْ وطنه وشعبه؛ كما لا يقتصر في مذكراته هذه على رصد ما كان يرتكبه رجال الميليشيات وتالياً رجال الحركات الإسلامية المتشددة من أفعال شنيعة، حين كانوا يطلقون النار عشوائياً على الأطفال والنساء من سبيل المزاح واللهو، ويحرمون المواطنين من أبسط حقوقهم الإنسانية؛ الموسيقى حرام، والسينما من عمل الشيطان، والنساء يجب ألا يختلطن بالرجال.
يحدّثنا الكاتب عن تاريخ بلاده البعيد أيضاً، عن جغرافيتها، عاداتها، طقوسها، أعراسها، عشائرها المتناحرة، لكناتها؛ عن مدنها وأنهارها، عن حكاياتها الشعبية، أساطيرها.
يروي لنا بأسلوب سلس، متدفق، وآسر عمّا رسخ في باله من ذكريات مريرة وموجعة، عن الجفاف الذي قتل الزرع والضرع، عن المرأة التي لم تشأ أن تترك جثة ابنها القتيل في قارعة الطريق فتنهشها الكلاب، وعمّا حكته أمه عن البادية، حيواناتها وأعشابها الطبية، وعن جرأة أبويه وأجداده في مقاتلة الضِباع والأُسود.
وهو لا يكتفي قطعاً بهذا فحسب، بل يحكي لنا بلغة جميلة وأسلوب شيق يقطع الأنفاس، عن الجوع والخوف والعطش والإعياء الشديد وشح الأدوية وانعدام الحريات والتجنيد الإجباري وأوجاع النزوح الداخلي في وطنك الأم، وإذلال اللجوء إلى بلد مجاور؛ عن جور الشرطة وفسادهم؛ عن ولعه بالسينما والثقافة الأمريكيتين.
ويحدثنا كذلك عن استلهامه شجاعة وقوة أمه التي أصرّت على أن تحافظ على حياة أبنائها الأربعة إبان أحلك الظروف؛ عن دعم وتشجيع أصدقائه الأمريكيين، وعن الحظ الذي حالفه أخيراً في الوصول إلى الولايات المتحدة.
يقول المؤلف إن بمستطاع المرء أن يزاوج بين عالَمين وثقافتين: "إني أعرف أنه بإمكان المرء أن يستمتع بحليب النوق والديمقراطية معاً، أن يطارد الظباء الصغيرة عبر البادية وأن يتوقف أيضاً عند علامات المرور الحُمر.
إنها حقاً مذكرات جديرةٌ بالقراءة والتأمل عبر سردٍ قوامه التشويق والترّقب ونابع عن تبّصر عميق ورؤية إنسانية ثاقبة.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد