-
/ عربي / USD
ليس أمراً سهلاً على من إعتاد على النطق بالكلمة المسموعة أن يضع كتاباً بالكلمة المطبوعة، في البدء كان الكلمة، أي الكلمة المنطوقة قبل الكتابة، وفي هذا جدل فلسفي قديم وحديث، حيث يمكن اختصار ذلك الجدل بالقول إن الفرق بين الكلمة المنطوقة والكلمة المطبوعة هو كالفرق بين الروح والجسد، فإن لم يكن الخطاب الشفهي نصّاً جاهزاً، فإن أي نصٍّ لا يستطيع أن ينقل أي خطاب.
في الفكر الإغريقي القديم، عندما بدأ التدوين في الكتب، خاف المفكّرون أن تُلغي الكلمة المكتوبة الكلمة المسموعة التي هي أصل التعبير عن الأفكار، ما يشبه اليوم عكسه في بلادنا من خوف على الكلمة المكتوبة بأن تلغيها الوسائل الشفهية المرئية والمسموعة، وفي الحالتين: كما أثبتت التجربة الإغريقية القديمة، الأمر ليس كذلك، ويمكن اختصار الحالة القديمة ببيت من الشعر مؤاده: "ما كان يُحكى لم يعدّ... يَحكي... بعدما كُتبنا".
فقد أقيم الميزان الإغريقي القديم على الإبداع في الكلام المسموع بإبتكار الفن المسرحي القائم على الأداء بالنطق، وتطوير فن الخطابة والبيان الذي بقي تدريسه قائماً في الكليات والجامعات حتى منتصف القرن العشرين، وأيضاً إحتضان ورعاية الفنون الشعرية على إختلافها.
وفي كثير من فصول هذا الكتاب تنضح ملامح من تلك الجدليات الفكرية القديمة والحديثة في سياق البحث عن جوهر الأزمة اللبنانية في إطار مسألة الوجود اللبناني التي في جوهرها يكمن الإبداع في المسموع والمكتوب، بين الكلمة الدافقة من الداخل (الروح)، وبين النصّ المنسوج من الخارج من خيوط متعددة الألوان والأشكال (الجسد).
إنه البحث في قصور الكيان اللبناني الراهن، حتى في مفهوم "نهائيته"، أي فكرة الوطن النهائي لجميع أبنائه، عن تجسيد روح الوجود اللبناني، فليس حتى الآن تطابق بأي درجة من الجديّة الصارمة بين "الفكرة الكيانية" و"الفكرة الوجودية"، أي بين الجسد والروح في المتخيّل الأبعد، وربما الأصلي.
يستمدُّ الكتاب جدليته في هذا الإطار من تجربة مديدة وفريدة امتدت طوال قرن من الزمن وما زالت تتلمسّ خطى مسارها الأصلي في مسالك وعرة، إنها ليست تجربة طارئة، أو وافدة، أو هجينة، بل هي نقطة النقاء بين ظلال الماضي، وحضور الحاضر، وإمكانيات المستقبل.
إنه نوع من المراجعة في فهم القضايا الأساسية للوطن والشعب والدولة، من منطلق أن عدم مراجعة الفهم، أو إعادة الفهم، لمعنى الماضي، من شأنه أن يغلق إمكانية التاريخ ذاته، بمعنى أن الماضي لا يصبح ماضياً ما لم تنشأ إرادة عامة وموثوقة لجعله يمضي ويفتح الطريق إلى حياة جديدة.
في هذا الكتاب سؤال: ما هو الكيان من غير مشروع إنساني يعطيه معنى؟... الجواب عند اللبنانيين أنفسهم.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد