يكتب نزار دندش مكانة مركزية في المشهد الإبداعي اللبناني، كما في المشهد الإعلامي والأكاديمي، وتأتي هذه المكانة من تناوله قضايا حيوية تلامس الإنسان العربي عامة، واللبناني خاصة، فدائماً تشكل العلاقات الإجتماعية ووضع الفرد داخل منظومة مجتمعية، الأساس لأعماله، كما فعل في...

يكتب نزار دندش مكانة مركزية في المشهد الإبداعي اللبناني، كما في المشهد الإعلامي والأكاديمي، وتأتي هذه المكانة من تناوله قضايا حيوية تلامس الإنسان العربي عامة، واللبناني خاصة، فدائماً تشكل العلاقات الإجتماعية ووضع الفرد داخل منظومة مجتمعية، الأساس لأعماله، كما فعل في (ذاكرة الأفيون) العمل الروائي الذي سلط من خلاله الضوء على ظاهرة زراعة نبتة حشيشة الكيف والأفيون، ورصدها" بين أبناء الريف البقاعي تحديداً، وبهذا المعنى تشكل الرواية مرآة للواقع الحي، ويأتي الفن ليعدّل في طريقة عكسها له، فلا يعود الواقع مجرد صورة فوتوغرافية في الرواية، بل يغدو أقرب إلى لوحة فنية يقوم دندش بتشكيلها مبرزاً علاقات شتى بين ألوانها.
وفي هذا الإطار تكشف الرواية عن حالة مأزومة يعيشها (سلطان) بطل الرواية، بين العقل، والواقع، فسلطان يرفض ظاهرة زراعة الأفيون في بلدته البقاعية، وعمل أسرته فيها، فيصطدم بالحقيقة المرة التي يعرفها ويدركها، وهي إجابة والدته له: "لولا المخدرات لم تكن لتصبح مهندساً يا سلطان".

وهنا، يحتدم الصراع داخل الشخصية القصصية بين (الحاجة إلى المال المنتج من زراعة الحشيشة كخير للعائلة، والشرّ الناجم عنه لمن يتناوله، أياً يكن)، فمن الموسم تُدفع أقساط المدرسة، ومن المدرسة ينتج الخير المتجلي بالعلم والمعرفة، والمعرفة عقل ووعي وإمتلاء، والأفيون جهل وغيبوبة وفراغ، ولكن ما أكل؟...

هنا يطرح الروائي مسؤولية الدولة عن تشريع زراعة الأفيون، والدعوة إلى تطبيق القانون، وطرح بدائل غير خطط تنموية وإصلاحية، وتطبيقها بدلاً من "إستغلال العشائرية" و"السلوك القبلي"، للوضع الإقتصادي المتردي لأبناء الريف.

هذا النسيج من العلاقات الإجتماعية نسجه نزار دندش روائياً، عبر تقنيات عدة أهمها الرواي العلم المشارك، وتعدُّد الرواة، وتعدُّد صيغ التعبير، وأما اللغة فهي تخلو من الإنشائية في السرد وتسمي الأشياء بأسمائها، وبمحكية بقاعية في الحوار، لا تخلو من اللغة الدارجة، منحت الرواية واقعية صارخة في بعض مشاهدها.