إن عالم اليوم الذي ظنّ أن بإمكانه تجاوز الأسئلة الوجوديّة التي تؤرق الإنسان منذ أن كان، بالإستناد إلى تقدّم العلوم والتكنولوجيا والإكتشافات الحديثة، يعيش في غربة الأنا الواقعة في وهم التفوّق بطمسها مخاوفها الوجودية بقشور النجاح والبذخ والماركات، وسط الضجيج وناطحات...
إن عالم اليوم الذي ظنّ أن بإمكانه تجاوز الأسئلة الوجوديّة التي تؤرق الإنسان منذ أن كان، بالإستناد إلى تقدّم العلوم والتكنولوجيا والإكتشافات الحديثة، يعيش في غربة الأنا الواقعة في وهم التفوّق بطمسها مخاوفها الوجودية بقشور النجاح والبذخ والماركات، وسط الضجيج وناطحات السحاب والسيارات الفارهة وأحلام الثراء. أتت العيادة الفلسفية لتحتضن هذه الأنا الوحيدة وتصالحها مع ذاتها ومع القضايا الوجودية، إنطلاقاً من ذاتها، من خلال ترداد نداء "معبد دلفي": "أيها الإنسان، أعرفْ نفسك" الذي تبنّاه سقراط والسقراطيون، واليوم بعد أكثر من ألفين وخمسمئة سنة، المستشارون الفلسفيون، لمواكبة الأنا في عملية التحرّر من الخوف والقلق والضياع نحو الحرّية وتقوية الإرادة وتمكين الذات والإنفتاح على الآخر والتفاعل معه.
لقد ظهرت التجلّيات الإيجابيّة للعيادات الفلسفيّة غرباً، منذ نشأتها العام 1981، فراحت تنتشر تباعاً، وبقوّة في العالم الغربي، وها هي اليوم تطرق باب الشرق، حيث الحاجة مضاعفة للحضور العيادي الفلسفي، بنتيجة الأحداث الخطيرة والجسيمة فيه، ووقوع العقول في أسر الظلم والعصبيّات التي ترفض الآخر، كإنسان وكشريك في الإنسانيّة وفي المعرفة.
"لا يُجادل مجادلٌ في فرادة هذا البحث وأسبقيته، وهو يكبُّ على موضوع غير مطروق في الجامعة اللبنانية (...) كذا في سائر البلاد العربية، وبهذا، فهو يُشكّل فتحاً جديداً، مما يجعل واضعته رائدة في المجال العيادي الفلسفي (...).
هذا الكتاب مُبسَّطٌ، انتُزع منه ما يخاطبُ المتخصصين بالفلسفة حصراً، وكأننا بالباحثة التزمت نصيحة أبي عثمان الجاحظ، إذ يقول: "خير الكلام ما كان معناه في ظاهر لفظه".
د. مصطفى الحلوة - أمين عام الإتّحاد الفلسفي العربي