بما أن هذا الكتاب هو الأخير الذي سأضعه في حقل التربية عن المواطنة، وما قبل الأخير الذي سأضعه قريباً في الحقل التربوي العام، والذي سيختصر تجربتي التربوية على مدى عشرات السنين في لبنان والوطن العربي وبعض المؤسسات الدولية، أردت أن أقدّم نبذة عمّا قمت به في التربية على...
بما أن هذا الكتاب هو الأخير الذي سأضعه في حقل التربية عن المواطنة، وما قبل الأخير الذي سأضعه قريباً في الحقل التربوي العام، والذي سيختصر تجربتي التربوية على مدى عشرات السنين في لبنان والوطن العربي وبعض المؤسسات الدولية، أردت أن أقدّم نبذة عمّا قمت به في التربية على المواطنة ضمن سياق أدبيات الإختصاص في العالم العربي للأمانة الأكاديمية في هذا الحقل. بدأ موضوع المواطنة، والتربية على المواطنة أو المواطنية يأخذ موقعاً لافتاً في العالم العربي منذ بداية هذا القرن، إذ إن الدراسات التي سبقت كانت محدودة جداً، وكذلك الأنشطة من مؤتمرات ولقاءات وورش عمل وتدريب معلمين على كيفية التعاطي مع مفهوم التربية المواطنية في المناهج والكتب وطرائق التدريس.
ومن المناسب والمفيد أن أذكر هنا أنني عندما بدأت كتابة أطروحتي عام 1982 حول تأثير الطائفية على التربية المواطنية في المدارس اللبنانية، لم يتسنَ لي الحصول على عنوان أيّ كتاب أو أطروحة عربية تحمل في عنوانها "التربية المواطنية" كبداية لمراجعة الأدبيات المرتبطة بموضوع دراستي، لجأت إلى (ERIC)، ولم أجد غايتي في مرجع واحد عن بلد عربي بالإنكليزية، عندها طلبت إلى المسؤولة عن مكتبة كلية التربية في جامعة "ستانفورد" تولي عملية البحث هذه، وكانت مهمتها جزءاً من التسهيلات التي تقدّمها الجامعة لطلبة الدكتوراه.
وبعد مراسلتها لمكتبات كليات التربية في الدول العربية، أو إتصالاتها الهاتفية مع هذه المكتبات الأكاديمية، أتت النتيجة سلبية، عندها ناقشت الأمر مع المشرف "البروفسور ريتشارد غروس"، عارضاً عليه تغيير موضوع بحثي لأنني لم أجد أطروحة أضعها ضمن الدراسات السابقة بالعربية أو عن مجتمع عربي.
كان للمشرف رأي مغاير، إذ قال لي: ولمَ لا تكون أطروحتك الأولى؟ أحدهم سيضع يوماً ما أطروحة عن المواطنية في أحد البلدان العربية، فليكن أنت، وهذا ما حصل، إذ أنهيت دراستي في العام 1985 لأعود إلى الجامعة اللبنانية في العام ذاته، وفي ذهني سدّ هذا النقص في إعداد المعلمين في بلد كلبنان، وهو بأمس الحاجة إلى تنشئة أجياله على مبادئ المواطنة بعد أن اقتتلت هذه الأجيال فيما بينها أكثر من مرة في التاريخ المعاصر للبلد.
لا أسرد هذه الوقائع من باب التبجح، فقد أكون مخطئاً إذا ظهرت أطروحة واحدة تمّت مناقشتها قبل عام 1982، لكن من باب التأريخ لهذا الحقل في الدراسات التربوية، والذي يجب أن يتسّم بالدقة والمصداقية.
رحت أشجّع طلبة الماجستير والكفاءة في كلية التربية - الجامعة اللبنانية - على تناول التربية المواطنية في رسائلهم بعد أن كنت أستفيد من أيّ موضوع في مناهج الدراسات الإجتماعية وطرائق التدريس (المادتان اللبتان درّستهما لمدة طويلة) لأبرز لهم ماهيّة المواطنة وعناصرها، وكيف نستطيع تضمينها في أهداف المناهج والكتب الدراسية، وكيف نبحث عنها في الوثائق، ثم طلبت إدخال التربية المواطنية كمقرّر إلزامي لطلبة كلية التربية، وهذا ما حصل عند تعديل مناهج الكلية عام 1997، وما زال مستمراً.