مما لا شك فيه أن العلم بالشيء هو إدراك حقيقته، وعلم النفس هو إدراك حقيقة النفس البشرية، ولما كانت هذه النفسية كياناً روحياً داخلياً فإنها لا تقبل الإدراك بالحواس المعروفة التي تستخدم في إدراك الكيان المادي، وإنما تستشف بطريق الاستنتاج ما يجرى بداخلها من خلال ما يصدر عنها...
مما لا شك فيه أن العلم بالشيء هو إدراك حقيقته، وعلم النفس هو إدراك حقيقة النفس البشرية، ولما كانت هذه النفسية كياناً روحياً داخلياً فإنها لا تقبل الإدراك بالحواس المعروفة التي تستخدم في إدراك الكيان المادي، وإنما تستشف بطريق الاستنتاج ما يجرى بداخلها من خلال ما يصدر عنها من مسالك مادية لصاحبها. وبهذا السبيل مضافاً إليه سبيل إحساس الإنسان بذات الظواهر المادية الداخلية التي تنتاب نفسيته أمكن التوصل إلى خصائص عامة لنفسيات البشر سواء في شق الخير منها أو في شق الشر، وهو ما يعرف بعلم النفس العام والذي بدوره تفرع عنه علمان هما (علم النفس الجنائي وعلم النفس القضائي)، ذلك لأن علم النفس الجنائي يدرس النفسية التي تصدر عن صاحبها جريمة في حق غيره(ظاهرة إجرامية) وهذا ما يعنى به القانون الجنائي الموضوعي بعد حدوث الجريمة والتشريعات الاجتماعية الواقية إلى تحاشى حدوثها. أما علم النفس القضائي فيدرس النفسية التي يلعب صاحبها دوراً ما في خصومة اجتماعية تصنع طرفاً في موقف الخصم من طرف آخر حيث يكون لهذا الدور شأن في فض الخصومة ينتزع للمظلوم من ظالمه الحق السليب ضد إرادة هذا الظالم. وبينما نفسيات المجرمين هي موضوع علم النفس الجنائي فإن موضوع علم النفس القضائي هو نفسيات أطراف الرابطة الإجرائية القضائية ونعنى بها في مجالنا الرابطة الإجرائية الجنائية، والمراد بالطرف في الرابطة كل من يؤدى فيها دوراً ولو لم تكن له صفة الخصم فالمتهم طرف وخصم في آن واحد، ووكيل النيابة طرف وخصم، أما القاضي فهو طرف بل طرف لا بد منه ولا غناء عنه في سبيل فض الخصومة ويعلو على الخصوم ولا يدخل في عدادهم كواحد منهم، والشاهد طرف كذلك وليس خصماً، والمحامي هو بمثابة اللسان القانوني لخصم من الخصوم، والخبير طرف كذلك وليس خصماً... وهكذا. وفي هذا السياق، يبحث هذا الكتاب في أسس علم النفس الجنائي والقضائي لكي يوضّح بين علم النفس الجنائي من ناحية وعلم النفس القضائي من ناحية أخرى.
وتأسيساً على ما تقدم فسوف تتضمن خطة البحث في هذا المؤلف الفصول التالية تباعاً على النحو التالي: -الفصل الأول:علم النفس الجنائي والقضائي وعلاقتهما ببعض العلوم الأخرى. -الفصل الثاني:المفهوم القانوني للجريمة وجوانب البحث في ظاهرة الجريمة. -الفصل الثالث:أساليب البحث المتبعة في الدراسات الإجرامية. -الفصل الرابع:السلوك الإجرامي والصفات الفيزيقية للمجرمين. -الفصل الخامس:التحليل النفسي للظاهرة الإجرامية. -الفصل السادس:التحقيق والقضاء. -الفصل السابع:الدليل النفسي. -الفصل الثامن:العوامل الاجتماعية والنفسية في تفسير الجريمة. -الفصل التاسع:إجرام الأحداث. -الفصل العاشر:أثر العوامل النفسية في المسؤولية الجنائية.