لم تعد السياحة كما كانت مجرد إنتقال من مكان إلى آخر، للإستمتاع برؤية المباني والعمارات، والتجوال في مدنه وشوارعه، ورؤية شعبه، بل أصبحت صناعة تشكل عصب الإقتصاد والوطني والعالمي، والمحرك الأساسي لعجلة التنمية الإقتصادية، ورافد قوي للموازنة العامة للدول، إلى درجة أصبح...
لم تعد السياحة كما كانت مجرد إنتقال من مكان إلى آخر، للإستمتاع برؤية المباني والعمارات، والتجوال في مدنه وشوارعه، ورؤية شعبه، بل أصبحت صناعة تشكل عصب الإقتصاد والوطني والعالمي، والمحرك الأساسي لعجلة التنمية الإقتصادية، ورافد قوي للموازنة العامة للدول، إلى درجة أصبح العديد من دول العالم، تعتبر السياحة قطاعاً سيادياً يقود التنمية في البلاد، وتعتمد عليه الدول في كثير من النواحي، أهمها قدرة السياحة على تشغيل أعداد كبيرة من العاطلين عن العمل، والتخفيف من معدلات البطالة في البلاد. من هنا، تبرز أهمية ومكانة السياحة اليوم كصناعة إستراتيجية مهمة، ترتقي بالشعوب، وينمى بها إقتصاد الدول، ويتنافس فيها الكبار على تحقيق مكاسب كبيرة، وإحتلال المرتبة الأولى من إمتلاك القدرة على الجذب السياحي على مستوى العالم، حيث أن السياحة تفتح المجال أمام وفود أناس من جنسيات متعددة، إلى الوطن، وذلك لأغراض سياحية، مما يتيح المجال الإنفتاح على ثقافات متعددة، تبرز عادات وتقاليد مختلفة، ما ينعكس على البلد المضيف عبر إستقطاب شعوب تختلف بأنماط حياتها ومبادئها وتقاليدها، مما يساهم في تطوير الكثير من الأمور الحياتية في البلد المضيف على الصعيدين الإجتماعي والثقافي.
وعلى ذلك، فإن القطاع السياحي بإمكانه تحقيق النمو الإقتصادي وأن عكس مدى التقدم الحضاري والعلمي للأمم والشعوب، ما يساهم في بروز وسائل تساعد على تعارف الشعوب فيما بينها، فتتمازج ثقافاتهم وتنصهر الرؤى والأفكار.
وهذا ما يشير إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ... ﴾.
من هنا، يمكن القول بأن الحضارة الإسلامية زخرت بما يشير إلى مكانة السياحة من خلال من مارسوها في أسمى مراتبها، فعبروا المسالك والدروب، ودخلوا الممالك والدول، وعاينوا الخلائق على إختلاف مستوياتهم وأقطارهم وأجناسهم وأعراقهم وأروماتهم، من هؤلاء من سجل ذلك كله في مصنفاتهم حول رجلاتهم، وهي لا تزال شاهدت عليهم وبرز لنا في التاريخ من أمثال ابن فضلان الذين انطلق من بغداد حتى وطئت قدماه أرض الصقالية وبلاد الترك وأقاليم الروس... واعتبرت رحلته من بدائع الرحلات السياحية في تاريخ البشرية، حيث استطاعت سرديانة أن تتجاوز حدّ السرد إلى مستوى التحليل الإثنوغرافي للشعوب والقبائل التي لم يكن العالم يعرف شيئاً منها.
وهناك الكثير من الأسماء التي كرّست رحلاتها معلماً بارزاً من معالم السياحة في ذلك الزمن من أمثال: ابن بطوطة، وابن جبير، وإدريسي وو...
من هنا، تأتي أهمية هذا الكتاب "إدارة المنتجات السياحية" الذي رفد المكتبة العربية بدراسة متخصصة وغنيّة في هذا الميدان، مساهمة في المدافعة الثقافية التي تتجاذبها دراسات كثيرة من الشرق إلى الغرب في محاولة للإستحواذ على التنظير في هذا المجال، وإقصاء الإسهامات العربية التي سعت وتسعى للإرتقاء بهذه الصناعة الهامة، والوصول بها مستوى رياديّ.
وقد أجاد المؤلف في إختيار المواضيع التي ناقشها في كتابه حول صناعة السياحة وتسويق السلع والخدمات السياحية إلى الحديث عن مقومات الجذب الطبيعية والبشرية في المجال السياحي، معرّجاً على موضوع تسعير السلع وترويجها وتطويرها في الإطار السياحي، منهياً حديثه بالتطرف إلى موضوع هو من الأهمية بمكان في يومنا هذا وهو موضوع السياحة الإلكترونية والتسويق الإلكتروني، وهو الأمر الذي أغنى هذا البحث بما يلبي حاجة إنسان اليوم الماسة إلى الإلمام بهذه التقنيات السياحية المعاصرة.
وقد اتبع المؤلف المنهج التحليلي في إستعراض العديد من الجوانب والمواضيع التي طرحها في بحثه هذا، مستعيناً بالدراسات والأبحاث والقوانين والقرارات المتصلة بالأنشطة السياحية، مختتماً فصوله مثيراً بعض التساؤلات التي طرحها للمناقشة قصد إثراء بحثه وتعميق الفهم للأبعاد المهمة التي تمتلكها إدارة المنتجات السياحية في محاولة لتطوير صناعة السياحة على مستوى الفرد والوطن.