ترجع أهمية هنري جورج فارمر في الموسيقى العربية إلى غزارة مادته التي ضمنها كتبه النظرية والتاريخية، وتحليله بروح التجرد العلمي وتفرغه لهذا الموضوع زهاء نصف قرن.لقد كاد أن يكون منقطعاً إنقطاعاً تاماً إلى مدارسة الموسيقى العربية، ما أدى به إلى الإحاطة التامة بكل النواحي...
ترجع أهمية هنري جورج فارمر في الموسيقى العربية إلى غزارة مادته التي ضمنها كتبه النظرية والتاريخية، وتحليله بروح التجرد العلمي وتفرغه لهذا الموضوع زهاء نصف قرن. لقد كاد أن يكون منقطعاً إنقطاعاً تاماً إلى مدارسة الموسيقى العربية، ما أدى به إلى الإحاطة التامة بكل النواحي النظرية والعلمية والتاريخية منها، وإختطاطه قواعد في البحث يمكن الركون إليها بإطمئنان؛ ولا غرو فإن فقد جمع فارمر بين الضفتين اللتين عزّ نظيرهما في أي مستشرق بحث الموسيقى العربية؛ هما المعرفة التاريخية والمعرفة العلمية. فضلاً عن وقوفه على العربية والفارسية كتابة وقراءة؛ من المواقف الجليلة التي سجلها له الإستشراق دفاعه عن الموسيقى العربية بكتاب كامل ضد مؤلفة إنكليزية في الموسيقى وتفنيده آراءها تفنيداً علمياً يثير الإعجاب، وهو بهذا مدين لحياته الأولى. فقد بدأ دور الشباب يميل إلى الموسيقى أعدّه للإحتراق الموسيقي، ولكن الموسيقى العربية اجتذبته وهو في عنفون شبابه فانقطع إلى دراستها درساً عميقاً، فلم يبق كتاب فيه أدنى إشارة إليها إلا وقرأه، وأطلع على جميع المخطوطات العربية في متاحف أوروبا والشرق والمكتبات؛ دفعه إلى ذلك، كما يقول في أحد كتبه، أنه لم يجد من العلماء من خطر بباله أن يحدد مركز الغرب ومقدار فضلهم في حضارة أوروبا الموسيقية علماً وفناً.
وفارمر، إلى هذا، ايرلندي الأصل، وقد ترك مصنفات عديدة في الموسيقى العربية، منها هذا الكتاب الذي يعتبر من الكتب الإستشراقية، بل ومن أهمها في موضوعه وهو تاريخ الموسيقى العربية، وقد أخذ شكله الحالي، وكما يذكر فارمر، بين سنتي 1919- 1925.
وقد نزع في كتابه هذا إلى طريقة التدرج التاريخي التقليدية، التي، وكما يذكر، تتفق وغرضه تمام الإتفاق، وبهذا النظام لا غيره إستطاع وبيسر تام توضيح العلاقة الوثقي للحضارة بالمنحى الإجتماعي والسياسي.
قام بتقسيم الكتاب إلى فصول سبعة، وكل فصل إلى أبواب ثلاثة، وقد كان محور البحث في الفصول السبعة يدور حول ما يلي: 1-أيام الجاهلية من القرن الأول حتى القرن السادس، 2-الإٍسلام والموسيقى، 3-الخلفاء الراشدون (632، 3661)، 4-الأمويون، 5-العباسيون، العصر الذهبي (750- 847م)، 6-العباسيون، الإنحلال (847- 954م)، 7-العباسيون، السقوط (945- 1258م). ويمكن القول بأن الكتاب إنما هو إلا تأريخ فنّ بحت، كما يشير العنوان، والقليل الذي حواه من مبادئ العلم النظري إنما اقتضته طبيعة الموضوع، كما أن المؤلف صرح في المقدمة بأنه حاول تجنيب بحثه المصطلحات العلمية والأبحاث النظرية الصرف؛ ومع هذا فالقليل الذي يحويه منها إنما يتطلب شرحاً وتعريفاً للقارئ نظراً لحداثة العهد بتواريخ الفن. لذلك، فقد عمل المترجم على سدّ هذه الثغرة وذلك من خلال تخصيص ملحق خاص بالمصطلحات الفنية، كما حاول إغناء هذا الكتاب ببعض التعليقات الموضحة حيناً وبتلك التي يعرف من خلالها شخصاً أو توضيحاً لتصحيف ورد في رواية أو بغاية إكمال خبر، أو شرح مصطلح علمي أو فني. هذا وقد ألحق المترجم الكتاب بأربع ملحقات، جاءت على النحو التالي: الملحق الأول: معجم مرتب على الحروف الإنكليزية يحوي ما يقارب مئتين وخمسين مصطلحاً موسيقياً مع تعريفها وما يقابلها أو ما يماثلها باللغة العربية، الملحق الثاني: هو عبارة عن مخطوطات نعيسة جداً لأولاد موسى بن شاكر في (صناعة الآلات الموسيقية الميكانيكية) وهي "في الآلة التي تزمر بنفسها) و"صناعة الأرغن" و"الجلجل الذي يصدر عنه عدة أصوات" و"الآلة التي يذهب صوتها ستين ميلاً"، الملحق الثالث: وهو رسالة في الموسيقى (أو الجزء الخاص بالموسيقى من كتاب النجاة الشهير) للشيخ الرئيس أبي علي الحسن بن سينا، لإطلاع القارئ على نموذج من التأليف النظري في هذا الباب، الملحق الرابع: فقط ضم حلّ التعابير والمصطلحات التي وردت في كتاب الأغاني للأصفهاني وترجمتها إلى النوتة الموسيقية، وهو بحث للمؤلف كان قد نقله المترجم إلى العربية ونشره ضمن رسالة جاء ذكرها في هامش صفحة 5 من هذا الكتاب.