لقد كان للمؤلف رينولندا أ.نيكولسون في مزاجه العقلي والخلقي وتصويره الشعري صوفياً بالفطرة... ولا شك في أنه شاطر الصوفية أذواقهم ومواجيدهم وإن لم يعش معهم في زواياهم وربطهم، ولذا استطاع أن يسير غوراً في الحياة الصوفية خفيَ على الكثيرين، وأن يوجه دراسة التصوف وجهة جديدة،...
لقد كان للمؤلف رينولندا أ.نيكولسون في مزاجه العقلي والخلقي وتصويره الشعري صوفياً بالفطرة... ولا شك في أنه شاطر الصوفية أذواقهم ومواجيدهم وإن لم يعش معهم في زواياهم وربطهم، ولذا استطاع أن يسير غوراً في الحياة الصوفية خفيَ على الكثيرين، وأن يوجه دراسة التصوف وجهة جديدة، ويقيمها على أسس علمية تتوافر فيها كل مزايا المنهج العلمي الدقيق. وإلى هذا، فهو مخلص كل الإخلاص للصوفية، شديد العطف عليهم، أمين في ما ينتقل عن أقوالهم، صادق الحدس في فهم رموزهم وإشاراتهم، بارع في ترجمة شعرهم إلى لغته شعراً يكاد يخفي فيه كل معالم الترجمة، مع المحافظة التامة على روح الأصل المعقول ومعناه، فينكلسون شاعر مطبوع، وفنان بارع، وصوفي مخلص في تصوفه قبل أن يكون عالماً وباحثاً في التصوف. وفي الباعث له على نشر أصول التصوف الأولى يقول في مقدمة اللمع الذي نشره سنة 1914 ما يأتي: "هذا المجلد خطوة جديدة من خطوات ذلك العمل الشاق الذي لا غنى عنه، وهو العمل الذي أخذت به نفسي منذ زمن طويل: أعنى إعداد مادة صالحة لتاريخ التصوف، وبخاصة دراسة نشأته في أقدم عصوره؛ ابتداء من القرن الثاني حتى نهاية القرن الرابع الهجري. وإنك لتتبين النتائج الطيبة التي يمكن الحصول عليها من دراسة أصول التصوف الأولى دراسة نقدية تحليلية، مما قام به لويس ماسينيون في كتاب الطواسين للحلاج، فليس هناك من شك في أن سلسلة من البحوث من هذا الطراز تمهد السبيل لوضع تاريخ التصوف العام. وفي أثناء ذلك المجهود المضني الطويل - مجهود والنشر والترجمة - كانت تفيض المجلات العلمية ودوائر المعارف الكبرى بمقالات نيكولسون وبحوثه في التصوف، ويظهر له بين وقت وآخر كتاب فيه، ومن أهمها: 1-كتابه "دراسات في التصوف الإسلامي" (1921)، 2-وكتابه "صوفية الإسلام" (1914)، 3-وكتابه "فكرة الشخصية في التصوف الإسلامي" (1923). أما مقالاته فأهمها هذه المجموعة التي تمت ترجمتها في هذا الكتاب، والتي ضاف المترجم إليها محارات نيكولسون الثلاث التي نشرها في كتاب "فكرة الشخصية"... المذكور آنفاً، وقد اختتم حياته الطويلة الحافلة بترجمة المثنوي لجلال الدين الرومي والتعليق عليها في عدة مجلدات. وبالعودة إلى هذه المقالات التي تضم ترجمتها هذا الكتاب يمكن القول بأن أول بحث لنيكولسون في مشكلة نشأة التصوف ظهر في مجلة الجمعية الآسيوية الملكية سنة 1906 تحت عنوان "نظرة تاريخية في أصل التصوف وتطوره" والذي مثل المقالة الأولى له في هذا الكتاب. وقد قسمه إلى قسمين عرض في القسم الأول للنظريات التي وضعها الباحثون من قبله في طبيعة التصوف الإسلامي ونشأته، ثم ذكر نظريته الخاصة، وذكر في القسم الثاني ثمانية وسبعين تعريفاً للتصوف باللغتين العربية والفارسية (وقد تمت ترجمة الفارسية منها إلى العربية) لرجال عاشوا ما بين سنة 200 هـ وسنة 440هـ. وقد تناول في المقالات اللاحقة كل من الزهد والتصوف والفرق بينهما، وليتحدث من ثم عن هدف التصوف الإسلامي، ثم ليبحث ويناقش في مقالته الخامسة فكرة الشخصية في التصوف ضمن محاضرات ثلاث، ويقول في ذلك "أننا لا نستطيع أن نناقش الأفكار المتصلة بالشخصية في المسيحية من غير أن نعرض للكلام عن شخصية المسيح ومحمد...". وقد انقسم هذا البحث إلى قسمين كبيرين: الأول في فكرة الشخصية الإلهية عند المسلمين وتطورها التاريخي، والثاني في فكرة الصوفية عن شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم. ويعرض نيكولسون للأدوار التي مرت بها الشخصية الإلهية في الإسلام والتي حدودها التطور التاريخي، ويستشهد المؤلف وفي سياق عرضه لهذا التطور بأبيات كثيرة من التائية الكبرى لابن الفارض، ويشرح كلامه في "مقام الإتحاد"، ومن الشخصيات الصوفية التي يعرض لها في هذا البحث أولاً شخصية الحسين بن منصور الحلاج ثانياً شخصية الغزالي ثالثاً شخصية جلال الدين الرومي. هذا، ولم يفته أن في محاضراته هذه لبعض المشاكل الفلسفية العامة كمسألتي الخير والشر وفي الجزء الأخير محاضراته يدرس نيكولسون موقف الصوفية من النبي صلى الله عليه وسلم هذا ولما كانت اختص صلة ترابط الصوفي بالنبي هي صلة المحبة، وكان معنى المحبة عندهم فناء المحب في المحبوب تكلموا في الإتحاد بالحقيقة المحمدية والفناء فيها، كما تكلموا عن الإتحاد بالله والفناء فيه.