شهدت دراسة القانون الدولي العام تطوراً كبيراً منذ نهاية القرن التاسع عشر مروراً بحقبة عصبة الأمم، ثم التطور الأهم في هذا الفرع من القانون باتفاق الدول العظمى على إنشاء منظمة الأمم المتحدة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.ومنذ نهاية الحرب الباردة تغيرت كثير من المفاهيم...
شهدت دراسة القانون الدولي العام تطوراً كبيراً منذ نهاية القرن التاسع عشر مروراً بحقبة عصبة الأمم، ثم التطور الأهم في هذا الفرع من القانون باتفاق الدول العظمى على إنشاء منظمة الأمم المتحدة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. ومنذ نهاية الحرب الباردة تغيرت كثير من المفاهيم الخاصة بالعلاقات الدولية والقانون الدولي. فالمجتمع الدولي لم يعد عبارة عن مجتمعات وطنية منفصلة عن بعضها بل ازداد حجم الترابط الاقتصادي والسياسي والثقافي بين دول العالم من خلال التبادل التجاري والثقافي بين أفراد تلك الدول متجاوزة الحدود المرسومة بين تلك الدول. وكان للعولمة دور كبير في ذلك، فالعولمة ظاهرة متعددة الأبعاد وتقوم على الضغط على الأنظمة السياسية الحاكمة وتقيد تدريجياً ترسيم السلطة السياسية. وكان لعملية التحول الاجتماعي السريع نحو العولمة تأثير عميق على تغيير الكثير من مفاهيم القانون الدولي العام.
وبعد أن كان العالم يخضع لنوع من التوازن في القوى من خلال نظام القطبية الثنائية (الولايات المتحدة – الاتحاد السوفياتي)، وضعت نهاية الحرب الباردة حداً لهذا النظام معلنة ظهور نظام القطبية الأحادية لأول مرة في التاريخ لتصبح الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة العظمى التي تتحكم في النظام الدولي. هذا النظام الدولي الجديد أظهر قوى فاعلة جديدة على الساحة الدولية منها منظمات المجتمع المدني غير الحكومية داخل الدولة ومنظمات المجتمع المدني على المستوى الدولي. ومع كل تلك التغيرات بدا وأن هناك خلل في مبدأ السيادة المطلقة وغير المقيدة للدولة القومية على مواطنيها. ومع تغير نظرية سيادة الدولة كأساس لسيادة القوة تغير هيكل العلاقات الدولية، فظهرت قضايا تتجاوز أو تعطل مصالح الدول التقليدية مثل : تدفق الأسلحة، وحقوق الإنسان، والإرهاب، والهجرة، والتمويل الدولي...الخ.
والخلاصة أن دراسة القانون الدولي العام أصبحت تستوجب دراسة بعض الظواهر الناشئة ومنها طريقة الحكم في الدول وتدوين القانون الدولي العام وكيفية نفاذ هذا القانون وتطبيقه في المجتمع الدولي. لا بد لنا من دراسة وجود صلة بين أنواع مختلفة من السلطة والقوة، ومن ثم تحليل العوامل الدافعة إلى زيادة العمليات الاجتماعية والقانونية داخل شبكة من تداخل الصلاحيات السياسية والقانونية، وهذه مهمة تتطلب تضافر وتعاون جهود العديد من التخصصات.
تضمن الكتاب ستة فصول، الفصل الأول جاء كمدخل إلى الكتاب حيث تم فيه التعريف بالقانون الدولي العام، وبيان أهم خصائصه، وصفته الإلزامية. وتطرق الفصل الثاني إلى التطور التاريخي للقانون الدولي العام في العصور القديمة والوسطى والعصر الحديث. أما الفصل الرابع فقد تم تخصيصه للقانون الدولي الإسلامي وقد جاء مكملاً للفصل الذي قبله، وتضمن هذا الفصل تعريفاً بالقانون الدولي الإسلامي ومصادره، وتم التأكيد على مراعاة الأخلاق في القانون الدولي الإسلامي، والتعريف بالقانون الدولي الإسلامي في وقت السلم والحرب. الفصل الرابع جاء تحت عنوان مصادر القانون الدولي العام، وهي المعاهدات والعرف الدولي والمبادئ القانون العامة إضافة إلى المصادر غير المباشرة لهذا القانون. وجاء الفصل الخامس ليعطي تفصيلاً عن أشخاص القانون الدولي العام وهم الدولة والمنظمات الدولية والفرد. وتطرق الفصل السادس إلى بعض المبادئ الأساسية في القانون الدولي العام وهي مبدأ حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية ومبدأ عدم التدخل في شؤون الدول ومبدأ حق الدول في تقرير مصيره ومبدأ حل المنازعات بالطرق السلمية ومبدأ سمو القانون الدولي على القانون الداخلي.