إن علم أصول الفقه من أعظم العلوم الشرعية، وأجلّها قدراً، وأكثرها فائدة، لعنايته، بمقاصد الشريعة تحريراً واستنباطاً وفهماً وحمايةً وتنزيلاً على الواقع، فإن أدلة الأحكام الشرعية هي أحد موضوعين رئيسين في علم الأصول، لدرجة أن صدر الشريعة عبيد الله بن مسعود البخاري الحنفي...
إن علم أصول الفقه من أعظم العلوم الشرعية، وأجلّها قدراً، وأكثرها فائدة، لعنايته، بمقاصد الشريعة تحريراً واستنباطاً وفهماً وحمايةً وتنزيلاً على الواقع، فإن أدلة الأحكام الشرعية هي أحد موضوعين رئيسين في علم الأصول، لدرجة أن صدر الشريعة عبيد الله بن مسعود البخاري الحنفي جعلها مع الأحكام الشرعية موضوع أصول الفقه، وقصرهما عليه، حيث عرف اصول الفقه بأنه: "علم يعرف به أحوال الأدلة الشرعية من حيث إثباتها للأحكام، وأحوال الأحكام الشرعية من حيث ثبوتها بالأدلة". ولا عجب في ذلك، فالأدلة هي الأصول الثابتة التي يستقي منها المجتهدون أحكام الشريعة، وهي المرتكزات المكينة التي يرتكزون عليها في اجتهاداتهم، والمرجعية التي يرجعون إليها في استنباط الأحكام، وهي تمثل القيادة الفكرية والتشريعية لهم، فهي ترشدهم إلى الأحكام الشرعية وتدلهم عليها. ولا يخفى أن الحكم على الأفعال بالوجوب والندب والإباحة والكراهة والتحريم والصحة والبطلان لا يصح إلا بالدليل الشرعي الصحيح الصريح من الكتاب أو السنة أو إجماع الأمة، على اعتبار أن التدين والتقرب والتعبد لله – تعالى – لا يكون إلا بالدليل الواضح، فيعبد المكلف ربه على نور وبصيرة. ولا يخفى أيضاً أن الأدلة التي تأخذ منها الأحكام منها ما هو مجمع عليه باتفاق، كالقرآن الكريم والسنة المطهرة، ومنها ما هو متفق على حجيته عند الجمهور كالإجماع والقياس، وتسمى هذه الأدلة الأربعة بالمصادر الأصلية ومن الأدلة ما هو محل اختلاف بين العلماء وهي كثيرة أهمها: الإستحسان، والعرف، والمصالح المرسلة، وسد الذرائع، وعمل أهل المدينة، وقول الصحابي، وشرع من قبلنا، والإستصحاب، وتسمى هذه الأدلة بالمصادر التبعية؛ لأنها ترجع إلى المصادر الأولى (الأصلية) وتتبعها. وسأبحث في كل من هذه الأدلة المتفق عليها والمختلف فيها بشيء من التعمق والتفصيل مراعياً الإيضاح في التعبير، والسلاسة في الأسلوب؛ بحيث تكون في مستوى كل قارىء، يفيد منها دون أن يمل، ويظفر بما في ثناياها بما يود دون أن يكل، فما هي بالطويلة المملة، ولا بالقصيرة المخلة.