لا يضع أحد اليوم موضع الشك حقيقة أساسية من حقائق الإدارة المعاصرة للمنظمات مفادها، أن مفهوم الثقافة التنظيمية يعدّ مفتاحاً للنجاح في إدارة المنظمات المعاصرة، بيد أن هذا النجاح، أو بتعبير نظرية المنظمة - الفاعلية التنظيمية، مشروط بضرورة تحقيق الوحدة الداخلية للمنظمة...
لا يضع أحد اليوم موضع الشك حقيقة أساسية من حقائق الإدارة المعاصرة للمنظمات مفادها، أن مفهوم الثقافة التنظيمية يعدّ مفتاحاً للنجاح في إدارة المنظمات المعاصرة، بيد أن هذا النجاح، أو بتعبير نظرية المنظمة - الفاعلية التنظيمية، مشروط بضرورة تحقيق الوحدة الداخلية للمنظمة وتكيّفها الخارجي مع شروط بيئتها المحيطة في آن واحد. إلا أن وثائق إستراتيجيات تطوير التعليم العالي خلال ربع القرن الأخير من الزمن (1989- 2013) مفهوماً مناقضاً لإشتراطات علم المنظمة في ذلك، الأمر الذي قاد منطقياً وعلمياً وعملياً إلى فشل هذه الإستراتيجيات في تحقيق أهدافها، بصرف النظر عن دوافع واضعيها ومنفذيها.
إن الدارس الجاد لهذه الوثائق سيكشف بسهولة بالغة عدم صواب مقارباتها المنهجية لموضوعاتها: تقديم وصفات طبية جاهزة لمعالجة أعراض مرض لم تبذل أي محاولة جادة لتشخيص مسبباته وتداعياته وبنيته الداخلية.
هذا الأمر هو ما قرر هيكل هذا الكتاب ومنهجية التعامل مع موضوعاته؛ إذ أن المرجعيات المؤسساتية الحاكمة والناظمة لإدارة الجامعة ستنتج نوع ثقافتها التنظيمية والأخيرة ستنتج السلوك المطابق لها، بينما السلوك التنظيمي سيكون العلامة المميزة لهوياتها المؤسساتية والتنظيمية، وإلى هذا فإنه وفي هذا الكتاب ستتم مقاربة حالة إدارة الجامعة من منظور الربط الجدلي المقارن ما بين مفاهيم عدّة مختلفة الطباع التنظيمية / الوظيفة والمنشئ الإيديولوجي / السياسي: المرجعيات المؤسساتية لإدارة النشاط، الثقافة التنظيمية، السلوك التنظيمي، الصراع التنظيمي، والهوية التنظيمية، وغيرها من المفاهيم، ذات التأثير أو الفعل المباشر في مسار الأداء المؤسساتي / التنظيمي والوظيفي للجامعة في الظروف الجديدة بعد عام 2003، كمشكلة للبحث العلمي في التعامل مع موضوع الكتاب.
ستتيح منهجية التحليل المقارن في هذا البحث صياغة الهدف منه: تبيان الصلات السببية الوظيفية بين المفاهيم التنظيمية المعنية، ومن ثم إستقراء حالة إدارة الجامعة عند كل مفصل من مفاصل الظاهرة التنظيمية موضوع البحث؛ وعلى أساس النتائج المنهجية والنظرية والعملية المتحصل عليها يُصار إلى تقديم لوحة عامة لما ينبغي فعله لضمان تهيئة منظومة التعليم العالي الكلية والجامعة كمنظمة نشاط وظيفي وتنظيمي للإستجابة الفاعلة لشروط البيئة المؤسساتية الجديدة، المواتية للتطوير الإستراتيجي، في هيئة آليات تنظيمية مقترحة، تستهدف تغيير ثلاثة مسارات متداخلة فيما بينها: مسار نمط الإدارة والسلوك والصراع والهوية لجميع الشخوص التنظيمية، مسار تطبيع النشاط التنظيمي والوظيفي للجامعة مع إسحقاقات بيئتها المحلية، ومسار فك التشابك الشمولي ما بين التعليم والإيديولوجيا وسياسات الحدث اليومي العابرة.
من هنا، لجأ الباحث إلى إعتماد فرضية عمل علمية أولية، ينبغي للأطروحة المركزية للكتاب هذا إثباتها أو نفيها، مفادها الآتي: وجود صلات تأثير تفاعلي متبادل بين مفاهيم المؤسسات، التعليم، نمط الإدارة، والثقافة، المؤثرة عميقاً وبمدى واسع على الظاهرة التنطيمية للجامعة المعاصرة، سيكون الكشف عنها مدخلاً منهجياً لتحقيق هدف الكتاب.
ولقد حرص الباحث في بحثه هذا على إستخدام ستة أنواع مستقلة من مصادر البيانات والمعلومات ذات العلاقة بموضوع الكتاب: الوثائق الرسمية - القوانين وأعمال المؤتمرات الرسمية، البحوث والدراسات الميدانية من بيئات مؤسساتية وتنظيمية مختلفة، شهادات قادة التعليم العالي المعروفين، المصادر العلمية الأم الرصينة، وأخيراً الأعمال العلمية المنشورة والمعايشة الميدانية الطويلة للباحث كأكاديمي.
هذا وقد انتظم هذا البحث ضمن فصول أربعة جاءت محاورها على النحو التالي: 1-مسارات الثقافة التنظيمية / مسار التكوين والفعل في إدارة الجامعة، 2-مسارات الثقافة التنظيمية / مسار فعل السلوك التنظيمي في إدارة الجامعة، 3-مسارات الثقافة التنظيمية / مسار فعل المؤسسات والسلوك الأكاديمي، 4-مسارات الثقافة التنظيمية / مسار فعل الهوية في إدارة الجامعة.