لا تبدأ فلسفة الفيلسوف الألماني المعاصر مارتن هيدغر بكتابه «الكينونة والزمان»، فنصوصه السابقة عليه حافلة بالتصورات الفلسفية الكاشفة عن جهويات التحليل الأنطولوجي لـ»الدزاين»، ففي هذه المرحلة (هيدغر 1933) كانت أبحاثه تتجه نحو انتشال الميتافيزيقا من الثقل الأنطو-ثيولوجي من...
لا تبدأ فلسفة الفيلسوف الألماني المعاصر مارتن هيدغر بكتابه «الكينونة والزمان»، فنصوصه السابقة عليه حافلة بالتصورات الفلسفية الكاشفة عن جهويات التحليل الأنطولوجي لـ»الدزاين»، ففي هذه المرحلة (هيدغر 1933) كانت أبحاثه تتجه نحو انتشال الميتافيزيقا من الثقل الأنطو-ثيولوجي من أجل وضعها على قاعدة الوجود الإنساني، من خلال الهرمينوطيقا، ليس بوصفها تأويلاً بالمعنى التقليدي، بل بوصفها طريقة تهدف إلى ترك الحياة تبيّن نفسها بنفسها من دون رؤية نظرية مسبقة.
وفي هذا الكتاب ينبّهنا هيدغر إلى أنه للإمساك بالكينونة هنا الخاصة بنا علينا أن نمكث بتريّث وبطء بالقرب مما يشغلنا ويثير فضولنا وأن نبقى يقظين بحذر شديد حتى لا تُفلت كينونة الشيء من الشيء نفسه. تحت قناع «الدزاين» الخاص المحتجب في الإلفة واللامبالاة، وحتى لا تختبئ اللحظة التي فيها ينفتح عالم الكينونة في كل مرة، تحت رتابة الحياة الواقعانية وتجربة المعيش، في غفلتنا (حالة اللاانشغال) عن اليومياتية التي تشكل حياة «الدزاين».
لخّص هيدغر مهمة الفلسفة في الاتجاه الذي يشكل هرمينوطيقا موسومة بميسم الدزاين نفسه بقوله: «إن الفلسفة أنطولوجيا فينوميثولوجية كلية من هرمينوطيقا الدزاين التي، بوصفها تحليلاً للوجود، تثبّت نهاية الخيط الموجّه لكل مساءلة فلسفية هنا من حيث تنبع وهنا حيث يجب أن تعود». حيث أن المهمة الهرمينوطيقية للفسلفة، في هذه المرحلة، هي التبيين الفينوميتولوجي لارتداد الحياة الواقعانية التي شكلها الوجودي عبر حالة التبيين نفسها بوصفها تجلّ لكينونة الحياة الواقعانية.