جاء في التراث الصيني القديم أن الموسيقى، التي هي بنظر بيتهوفى أعلى من كل حكمة وفلسفة، مرتبطة بالعلائق الجوهرية للكائنات، لذلك يجب معرفتها لتسيير أمور الحكم، ويذكر هرمن هيسه في روايته "لعبة الكريات الزجاجية" أن الموسيقى كانت في الصين الأسطورية تلعب في حياة الحكومة والبلاط...
جاء في التراث الصيني القديم أن الموسيقى، التي هي بنظر بيتهوفى أعلى من كل حكمة وفلسفة، مرتبطة بالعلائق الجوهرية للكائنات، لذلك يجب معرفتها لتسيير أمور الحكم، ويذكر هرمن هيسه في روايته "لعبة الكريات الزجاجية" أن الموسيقى كانت في الصين الأسطورية تلعب في حياة الحكومة والبلاط دوراً قيادياً.
وكان الصينيون القدماء يساوون بين إزدهارها أو تدهورها وبين إرتقاء أو الخطاط الثقافة والأخلاق بل والدولة بكاملها، إذ أن جذورها تمتد بحسب نظريتهم في الواحد الأعظم الذي خلق قطبين، أبدعا بدورهما قوتي الظلام والنور، وهي لا تبلغ حدّ الكمال إلا عندما يتوافق الليل مع النهار، وتتسجم الأرض مع السماء، ويسود العالم السلام، وتروح الأشياء، وقد أطمأنت، تتبع في تحولاتها تلك التي تعلوها، وتبتعد الرغبات والأهواء عن مسالك الضلال، وهي في هذه الحال إنما تنبع من التوازن الناجم بدوره عن العدل، الذي ينشأ عن روح الدنيا، ذلك السر القادر وحده على سبر أغوار الجمال.
أما هيجيل والذي عرض في كتابه "علم الجمال" نظريته حول الفن، فهو يرى فيه إيقاظاً للروح المطلقة، وخلق إطار خاص تظهر من خلاله، وتحضر فيه، متصالحة هكذا مع الواقع العيني الملموس، الذي يخضع لحاستي البصر والسمع، والذي يرتفع بهذه الطريقة إلى حالة المظهر، والجمال، الذي هو بهذا المعنى الروح المتجسد في مادة، والتوافق بين الداخل والخارج يمثل مكاناً وسطاً بين الحسن المحض والفكر المحض، فيه لا تعود الأمور الحسية تعكس المادية المباشرة والمستقلة، مادية: نبته أو حجر أو الحياة العضوية، بل المثال الذي يختلف مع ذلك عن تصور الذهن الخالص.
الفن ليس مجرد لعب نافع أو جميل، أن مضمونه يشمل كل مضمون الروح، التي يحررها من محتوى وشكل النهائية، ويكشف لها ما تنطوي عليه من جوهري وعظيم، من محترم وصحيح... إن هدف الفن النهائي هو تخفيف الهجمية وتهذيب الأخلاق، لأنه يترك الإنسان وجهاً لوجه أمام غرائزه وكأنها غريبة عنه، وبهذه الطريقة ينقذه منها...
الفن هو همزة الوصل بين عالمي المادة والروح... النغم عنصر مثالي... أنه يمسّ الروح ويؤثر عليها... أنه يستولي بأمواجه التي لا تقاوم على الوجدان الذي يذعن لها، ويتركها تحمله مسلوب الإرادة... إن أهم عنصر نتعلق به الموسيقى وتأتي إلى مجاله لتبحث عن مواضيعها هو الشعور المجرد من الشكل، الذي يبقى دائماً غلاف المضمون.
وهكذا تتوسع حتى لتصبح التعبير عن كل العواطف الخاصة العميقة والغامضة، وعن كل حركات النفس اللامادية التي لا يمكن أن تعزو إليها أي محتوى أو فكرة، وعن كل العلامات المميزة في المرح والفرح والمزاج الرائق، في الترف والإنشراح والإنتصار، وعن كل درجات القلق والإرهاق والحزن والسكون والألم واليأس والكآبة، وأخيراً عن كل سورات الحب والعبادة والتبجيل... وهكذا يسجل النغم بصورة تجريدية الحياة الداخلية الحميمة التي تتحرك فيها العاطفة غير المحددة أيضاً، ويشكل قلب الفن الذاتي، العبور من الحساسية الخالصة إلى الروحانية الخالصة...
تأملات جمالية تستحوذ على النفس فتجعلها تهيم في بحور المعاني المائجة الهائجة بفعل ذاك الكائن العميق الأغوار... بفعل الموسيقى التي تفوق بآثارها سائر الفنون بما تضفيه روحها عن سامها، والكلام عن روح الموسيقى يطول في هذا الكتاب، ويرتقي في معانيه وفي إستشفافائه...
يحول الباحث الموسيقى بتأثيراتها إلى لوحات ويشاهد يقرأ ما فيها من خلال إبحاره في أعماق تلك الأعمال الموسيقية الرائعة والخالدة، كما في المواضيع التي لها صلة وثيقة بالموسيقى، يستهل الباحث دراسته هذه بالحديث أولاً عن فلسفة النغم، محلقاً من ثم في تأملات جمالية، وباسطاً الكلام بعدها عن أنماط من الموسيقى منوعة بما يشمل الغناء والأوبرا والموسيقى الدينية واللوحات الموسيقية الراقصة ثم يتحدث عن الموسيقى ذات البرنامج وعن السمفونية وأخيراً عن الموسيقى المطلقة من خلال نماذج موسيقية شملت أعمالاً لأشهر الموسيقيين في العالم (موزات، تشايكوفسلي، بتهوفن، سترافنسكي، تشايكوفسي، إلخ...).