-
/ عربي / USD
كم من إمبراطورية نشأت بقوة، وحكمت بقوة، وشاع صيتها في أرجاء المعمورة، وزرعت الخوف في نفوس الآخرين، وأرهبتهم ببطشها، فكم بقي من تلك الأصوليات الإمبراطورية؟.
إن التاريخ واقف الآن، في بدايات القرن الواحد والعشرين، عند حدود إمبراطورية واحدة هي الإمبراطورية الأميركية، بعد أن تهادت إمبراطورية الإشتراكية السوفياتية في العالم، وبعد أن سقطت آخر الإمبراطوريات الدينية في أوائل القرن العشرين، ليس من المستغرب أن تنهي الإمبراطورية الأميركية التاريخ عند حدود وعيها وأيديولوجيتها، فقد سبقتها إمبراطوريات وإمبراطوريات، والكل منها كانت تتحصن في داخل أيديولوجيته أنهت التاريخ وجمدته عند حدود أفكارها التي تخضع في نشأتها الأولى، وخلال فترات حكمها لمكيال واحد، لا يتأخر خطوة ولا يتقدم عن وعود أسبقتها ووزعتها وغرستها في الأذهان أنها جاءت تحمل الخلاص إلى العالم؛ ليتبين في نهاية المطاف أن ذلك كله سراب...
وهكذا تبدأ مراحل الصراع لتمزيق ما ظهر أنه جذّاب والعمل صناعة غيره، كل إمبراطوريات التاريخ انطلقت من قاعدة مجتمعية واحدة، أسست فيه نخبها وحدة مجتمعها، وجمعته تحت ضجة سلطة واحدة، وأخلاقيات جديدة، وتبرأت الرئاسة فيه طبقة متميزة بشخصيتها الفردية أو الجماعية، وعبأت أبناء جلدتها وعرقها وغرست فيهم الآمال بالتوسع والسيطرة للهيمنة على كل بقعة من الأرض، أو كل جماعة أخرى، من أجل بسط النفوذ عليها لإستغلال طاقة أبنائها الإنتاجية، وإستغلال خيرات أرضها ومواردها لمصلحة الشعب الغازي الذي، بدوره، كان يقتات بالقليل القليل، ويضع الكثير الكثير في جيوب النخبة القائدة المخططة.
كانت كل نخبة قائدة تضع أيديولوجيتها الخاصة، التي تجذب قاعدة قوتها من أبناء مجتمعها الأقرب وتعبئهم من أجل الإخلاص لها، والدفاع عنها، وغزو الآخرين بفعل تأثيراتها النفسية وعائداتها الإقتصادية والمالية، تلك الأيديولوجيا لم تكن مبنية على أساس القيم الإنسانية العليا، وإن احتاجت لتدعيم أيديولوجيتها بتلك القيم فتأخذ الجزء منها الذي تستخدمه وتستعير منه ما يدغدغ عواطف أمتهم ومشاعرها.
والأمر كذلك، ولأن تلك الأيديولوجيات ليست أكثر من ستار تخفي النخب وراءها أهدافها الحقيقية، ولأنها لم تحقق الحدّ الأدنى من تلك القيم، يفعل ما تكمنه من أهداف حقيقية تتناقض منها، فإنها تحمل، أو حملت عوامل سقوطها بالقوة، وما إن تظهر للعلن بعد بيان كذبها، تقابل بالمقاومة التي تسقطها.
حول هذا الموضوع تأتي هذه الدراسة التي تتناول ضمن بحث شامل أصوليات التاريخ، التي أنهته عند حدود أيديولوجيتها، وتم إختبار أنموذج الأصولية الأيديولوجية الأميركية كنموذج يعكس تلك الرؤية، فقد أراد الباحث من وراء إختياره هذا الوصول إلى هدفين: الأول: تعميق النظر في مشروع يشكل الهم الأساسي، إذا لم يكن الأول، ويشغل العالم، فلأنه مشروع يعمل من أجل تنفيذ مآربه وأهدافه الخطيرة على كل شعوب العالم من جهة، وعلى الأمة العربية بشكل خاص من جهة أخرى؛ الثاني: الإستعانة بنتائجه من أجل خدمة البحث بأهدافه العامة، وهو دراسة شاملة للأصوليات في التاريخ، بدءاً من مولدها ومن ثم لتشبّ تم تشيخ وتسقط.
ويقول الباحث بأن لعل في النتائج التي توصل إليها يجد ما يخدم هدفه من هذه الدراسة والمتمحور حول رؤية لنظرية قومية معاصرة تشكل البديل التجديدي في العصر الراهن، لكل الأصوليات التي أنهت التاريخ وقامت بتجميده.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد