أوقع تغيير الخطاب الأيديولوجي العالمي أطرافاً "يسارية" في مآزق سياسية ونظرية خاطئة، تبريرية ومحافظة، مناقضة تماماً لجوهر مبادئ الإشتراكية، المعلنة في دعاياتهم السياسية التي تؤكد، بحسب ما تقول طريق الشعب، الصحيفة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، ما يأتي: "لقد ظلت قضية...
أوقع تغيير الخطاب الأيديولوجي العالمي أطرافاً "يسارية" في مآزق سياسية ونظرية خاطئة، تبريرية ومحافظة، مناقضة تماماً لجوهر مبادئ الإشتراكية، المعلنة في دعاياتهم السياسية التي تؤكد، بحسب ما تقول طريق الشعب، الصحيفة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، ما يأتي: "لقد ظلت قضية المثال الذي يقدمه الشيوعيون من بين القضايا ذات الأهمية الفائقة...
[وهي] نتسم، اليوم، بأهمية إستثنائية، فهذا المثال الذي يُفترض أن يمثله الشيوعيون عموماً، وقادة وكوادرُ الحزب خصوصاً، في مختلف الأطر السياسية والفكرية والتنظيمية والأخلاقية والمعرفية، وعلى النحو الذي يعكس الروح الثورية المرتبطة بالتغيير والأمل والتمسك بالقيم الرفيعة التي ميّزت الشيوعيين عبر تاريخهم الملهم، هذا المثال هو حجر الزاوية فيما يمكن وينبغي أن يفعله الشيوعيّ من أجل التحويل الثوري للمجتمع.
ولعل من بين عناصر هذا المثال... أن يتسم الشيوعيّ بالتكوين المعرفي والروحي العميق، فالشيوعي هو المتطلع، دوفَا، إلى المثال الذي تقدمه الماركسية في الفكر السلوك... إن إنجراف الأحزاب السياسية التابعة في موجة الضبابية الفكرية، ومحاولتها العملية الإفادة من مناخ العداء لــ"الإرهاب"، من طريق نبني سياسات معارضة للثوابت الجوهرية والأسس النظرية للماركسية: الموقف من الحروب العدوانية، ومن سياسة التمييز العنصري والقومي (إبتلاع حقوق الأقليات الصغيرة بإسم القوميات الصاعدة)، ومن موضوعات الإحتلال والمقاومة (أصبحت كل مقاومة إرهاب)، والنضال ضد الإستبداد (أصبحت كلمة نضال تعني الوقوف في صف الأعداء، وأضحى التماهي مع مشروع الحكم هو خط النضال الأساسي)، وإرضاء الشهوات والنزوع العرقي للحكام القوميين، والتنكر لحقوق ومصالح الفئات الفقيرة والشرائح المظلومة، والإستهانة بحقوق الإنسان الأساسية (حق العمل والحقوق الفضائية وحتى التعبير)، العزلة الفردية والإبتعاد عن نهج التضامن العالمي أو الأممي، كل تلك المظاهر عزّزت الميل الرامي إلى تأكيد موت الماركسية في نظر كثيرين، حتى في صفوف أصدقائها ومريديها.
لقد أدرك منتقدو الشيوعية أن الأحزاب التابعة فقدت حدّي النضال: الفكري والعملي، وما اتحاد ضبابية الفكر بشطط الممارسة سوى نتيجة قاطعة تبرهن على سقوط هذا الإتجاه سقوطاً تماماً...
هكذا يصور الكاتب إحتضار إشتراكية السوق، ولديه الكثير مما يتابعه في هذه المقاربة في سياق بحثه الذي يتناول هماً من هموم الشيوعية وهو هم المثقف الشيوعي الذي يصوره وكأنه بات تحت ظلال الإحتلال... الإحتلال الفكري... السياسي... الإيديولوجي ربما... وإنما يسوق في ذلك هم المثقف الشيوعي العراقي كتجربة يحاول من خلالها الوقوف على أزمة هذا المثقف... هذا يستدرج تساؤلات هي: ما الدور الذي يتحمله المثقف اليساري والديموقراطي في صناعة هذا التدهور؟ وهل يستطيع اليسار إعادة النظر في واقعه من أجل تغييره؟....
شكلت ذلك محور البحث في هذا الكتاب، معروضة في طريق رصد المواقف والأفكار والممارسات الثقافية، وتحليل حالات عيانية منها، وربطها بالواقع وبالبيئة التي أنتجتها، الترحال بين الكلمة والذات المنتجة للكلمة والذات المنتجة للكلمة هي الوسيلة الإستقصائية التي يحاول المؤلف إستخدامها، لغرض ربط الذات بالنص، وربط الوعي بالسلوك والممارسة الفردية والجماعية.
وإلى هذا، فالمؤلف يرى أن كتابه هذا لا يضع حلولاً؛ لكنه يشير، على نحوٍ صريح وصادق، إلى مناطق الخلل في الممارسة الفكرية، ومواطن الفساد في الإنشغالات العقلية والسلوكية والنفسية للعاملين في مجال الكتابة، من اليساريين والديموقراطيين المستقلين الذين يتحملون المسؤولية الكبرى في هذا التدهور.