إننا نعيش في زمان وظروف نرى فيها الجيل المعاصر لا يعقد أي أمل على الوعود للاعبي السياسة والذين يدعون خدمة الشعوب وما تسمى بهيئات حقوق الإنسان، فقد أعرض عنها بكل أبعاد وجوده، وإتجه نحو الإسلام بعمق أكثر، وهو في الوقت الذي يرى طريق الخلاص من تسلط المستكبرين منحصراً في هذه...
إننا نعيش في زمان وظروف نرى فيها الجيل المعاصر لا يعقد أي أمل على الوعود للاعبي السياسة والذين يدعون خدمة الشعوب وما تسمى بهيئات حقوق الإنسان، فقد أعرض عنها بكل أبعاد وجوده، وإتجه نحو الإسلام بعمق أكثر، وهو في الوقت الذي يرى طريق الخلاص من تسلط المستكبرين منحصراً في هذه العودة، فقد قرر توطيد أواصره بالإسلام أكثر فأكثر. ولا شك أن في هذه الأيام، التي ترى فيها القوى العظمى العالم الإسلامي، أكبر خطر جدي على سياستها التسلطية القائمة على النهب، ولا تخفي خشيتها من هذا الأمر، يرتبط السعي من أجل نشر الإسلام في أبعاده الأساسية، بالمحافظة على الحالة الهجومية لهذه الشريعة الإلهية المنقذة، وشرح الحلول اللازمة للعقد المستعصية المتمثلة في ذل المسلمين وأسرهم. إن أداء رسالة كهذه من قبل المحققين وأصحاب الفكر والقلم يتطلب إعادة نظر ومطالعة عميقة وواسعة للنصوص الإسلامية الأصيلة. ويمكن في هذا أن نذكر بعد القرآن الذي يحظى بإحترام وإيمان مسلمي العالم كافة، بإعتباره واحداً من المصادر السماوية، كتاب نهج البلاغة الذي يحظى بدوره بقبول خاص في المحافل العلمية للفرق الإسلامية المختلفة. فإضافة إلى أن أصحاب الأفكار الحرة في العالم، من مسلمين وغير مسلمين، لم يشكو أبداً في أن الشخصية العلمية والإيمانية والأخلاقية والسياسية والإجتماعية لمؤلف نهج البلاغة، الإمام على بن أبي طالب عليه السلام، تتلألأ كنجمة ساطعة في سماء الفصاحة والبلاغة والحكمة، فإن الشروح التي كتبها رواد الأدب والتحقيق في الماضي والحاضر على نهج البلاغة، والتي شرحوا فيها كلمات الإمام وخطبه ورسائله المليئة بالمعاجز وحللوها، والبحوث التي أجراها العلماء وأبطال الكتابة والقلم من مسلمين وغير مسلمين حول الشخصية التاريخية والإنسانية للإمام علي عليه السلام وأسلوبه في الحكم وقيادة العالم، والأبعاد الأخرى لحياته المعنوية، لشواهد على صدق دعوانا هذه. إن الذي يزيد في أهمية أقوال الإمام وأسلوبه في العمل على الأصعدة المذكورة، هي المواقف الإستثنائية والمتأزمة لمرحلة إمامته وسياسته للمجتمع الإسلامي، ولابد هنا من أن نذكر الأزمات البالغة التعقيد والحساسة لعصر الإمام عليه السلام وهي مما ندر حدوثه للآخرين حيث أن السنين الثلاثين التي عاشها بعد النبي صلى الله عليه وسلم وخاصة السنوات الخمس الأخيرة من عمره الشريف، وقد شهدت أكثر الأحداث إثارة وأهمية. لقد كانت للإمام عليه السلام كلمة في كل من تلك المراحل والفترات، ورسالة تصلح أن تكون نموذجاً للتطبيق في المراحل والمواقف المماثلة. ومن المؤكد أن حياة الإمام عليه السلام إتخذت شكلاً ثابتاً، ومسيراً عادياً مما أوضح منهاجه السياسي في الأزمات والعقد الإجتماعية المستعصية، وأبرز عنق تفكيره وتوجيهاته، إذ أن كل لحظة وكل أزمة وكل منعطف يتطلب نوعاً خاصاً من التعامل وإتخاذ المواقف وقد شاهدنا كل ذلك في سيرة الإمام وسياسته وأقواله. ويمكن لهذه الأحداث والوقائع والسياسات، أن ترسم صورة لروح الإمام العامة، ومنهجه السياسي الإسلامي ووجهات نظره. تضاف إليها سيرة الإمام وتاريخ حياته المليء بالأحداث والوقائع. ولو ألقينا نظرة إجمالية على البحوث السياسية في نهج البلاغة، فسنلاحظ أن البحوث التي تشمل الحكم وإدارة البلاد، والظروف السائدة ودورها وتأثيرها، والولاة التابعين للدولة، والمستشارين والوزراء، ومدرسة القانون، والقضاء والتنفيذ، والعلاقة بين السياسة والأخلاق، ومسؤولية القائد، وأهداف الحكم ودوافعه، والأمور العسكرية والجيش وإختيار معاوني الحكومة، والسياسة والزعامة الدينية، والعلاقة بين الحكومة والشعب، والامور الإقتصادية وما يخص السوق والزراعة والسلم وغيرها من الأمور، كلها مستخرجة ومنظمة ومترجمة ومكتوبة من خلال خطب الإمام ورسائله وكلماته، وأحياناً مرفقة بما يقتضي من توضيحات وتطبيقات.