أدت القصة التاريخية دوراً هاماً في تاريخ الأدب، لأنها كانت تعبّر عن أحداث ارتبطت بتراث الشعب وأمجاده، فاختزلت الموروث الثقافي للأمم وأصبحت الملاذ الذي يُلجأ إليه كلما عصفت بهذه الأمم عواصف تحاول تغيير مسار تاريخها عن وجهته الصحيحة. هكذا كانت القصة التاريخية عند العرب،...
أدت القصة التاريخية دوراً هاماً في تاريخ الأدب، لأنها كانت تعبّر عن أحداث ارتبطت بتراث الشعب وأمجاده، فاختزلت الموروث الثقافي للأمم وأصبحت الملاذ الذي يُلجأ إليه كلما عصفت بهذه الأمم عواصف تحاول تغيير مسار تاريخها عن وجهته الصحيحة. هكذا كانت القصة التاريخية عند العرب، خاصة تلك القصة التي لامست شغاف قلوب الشعب، وأعادت له أخبار أبطاله وأمجاد فوارسه، وتلاحم جيشه مع الجيوش الأجنبية في فترات متفاوتة من الزمن. فالقصة الشعبية التاريخية تهدف إلى استعادة الأمجاد وتذكر بالأيام الخالدة، وتحثّ الشعب على المقاومة، مقاومة الظلم والاستبداد والقهر، عندما تدور حول سيرة بطل من الأبطال، فتسجل انتصاراته على الأعداء، وقهره لجيوش البغي والعدوان، وكأنه بطل أسطوري، أرسله الله لإنقاذ شعبه. من هنا، يلجأ كاتب القصة إلى ما يدغدغ عواطف الناس، وقد عُرف العرب قديماً بحبهم للشعر، فهو ديوان مآثرهم ومفاخرهم وأمجادهم، لذا تأتي القصة الشعبية التاريخية غنية بشعر الحرب والقتال وتسجيل البطولات مما يرفع عزيمة الشعب ويحيى فيه الروح المعنوية والرغبة في الانتفاضة على الظلم والظالمين. لقد جاءت هذه القصة-قصة الزير سالم-غنية بالقصائد الشعرية التي تتميز بطابع خاص في اختيار الألفاظ والمعاني المناسبة والصور الملائمة التي تتفق مع الأحداث، وهي قصائد ذات أسلوب سهل، قريب المتناول، بعيد عن التعقيد، لا يراعي سلامة التركيب النحوي، لأنها أنشئت لتكون محكية مرويّة، وعلى الراوي مسؤولية ضبط النص الشعري بأسلوبه الخاص، والمحافظة على تأثير هذا الشعر في نفوس السامعين، وذلك باستعمال قدراته التعبيرية في التلاعب بنبرات صوته أو بحركاته الساكنة. إن أخبار المعارك وصور القتال وتلاحم الجيوش وتصادم السيوف تتعاون جميعها لتقدم لنا مشاهد حيّة من بطولات نسعى إليها، نبحث عنها في تراثنا الشعبي، في موروثنا التاريخي، لنجد ذلك البطل المنقذ شبه الأسطوري، الذي يصارع ويصارع ويصارع، ويتحدى جيوشاً بعددها وعديدها، بخيلها وحديدها، فهو الفارس المغوار، البطل القهّار، الذي تثير قراءة أخباره النشوة بالعزّ والانتصار. وتأتي الحبكة القصصية في هذا النوع من القصص الشعبي، على أحسن ما يكون، وتتوإلى الأحداث شيئاً فشيئاً، وتتعقد الأمور وتتأزم، وتسد الدروب، حتى أننا لا نرى للأزمات مخرجاً، ولا للمشكلات حلاًّ. وتتجه الأنظار إلى البطل الفارس المغوار، فهو القادر على تحقيق النصر، ورفع معنويات الأمة، التي كادت أن تنهار تحت ضربات سيوف الأعداء. لكن البطل الفارس المنقذ يكون دائماً لهم بالمرصاد.