لقد نشأت وتأسست في شتى العصور مدارس ومذاهب وفلسفات أخلاقية وتربوية كثيرة جداً، ولكن الصحيح منها محدود أو شبه محدود، وإذا كان خير المفاهيم الأخلاقية والانسانية أصحها وأنفعها للبشرية، فإن خير الصحيح وأفضل النافع منها ما جاء به القرآن الكريم والرسول صلى الله عليه وسلم. ولنا...
لقد نشأت وتأسست في شتى العصور مدارس ومذاهب وفلسفات أخلاقية وتربوية كثيرة جداً، ولكن الصحيح منها محدود أو شبه محدود، وإذا كان خير المفاهيم الأخلاقية والانسانية أصحها وأنفعها للبشرية، فإن خير الصحيح وأفضل النافع منها ما جاء به القرآن الكريم والرسول صلى الله عليه وسلم. ولنا في الإمام الذي نهى من هذا المعين خير مثل على ذلك، وقد كان بمثابة مدرسة أخلاقية تربوية فلسفية ما زالت آثارها الى اليوم. وإن من ضمن ما اشتهر به الامام علي رضي الله عنه الجود والايثار وهو الموضوع الذي تتبع المؤلف آثاره، وكانت عثرة ذلك هذا الكتاب، وقد لا يمثل هذا الكتاب من أفكار ومواقف الامام علي حول فلسفة الجود والايثار وما يتلخص عنها من مواقف وآثار، الا حلقة واحدة من سلسلة ذهبية رائعة، من أخلاقه وفكره وحكمته ومن سلوكه الحائز الخلاق. ولما كان موضوع الكتاب ينصب على موسوعة فلسفة الجود والايثار لدى الامام علي بن أبي طالب، فقد تم الحديث عن تنظير الامام والايثار وعن آرائه الفلسفية فيها، وتم اثراء الكتاب بذلك الجانب العملي التطبيقي للجود والايثاء في حياة الامام علي رضى الله، فقد كان ذلك الانسان الملائكي المتميز للغاية، والذي حفل سلوكه العملي بأروع الأمثلة عن انكار الذات، فقد زوّد الحضارة الانسانية بمواد فلسفية وعلمية كبرى في مختلف الحقول والمجالات الكلية والجزئية وفي الجانبين معاً الكيفي والكمي. ويقول المؤلف حول ذلك: "القضايا التنظرية البارعة لدى الامام علي كثيرة بشكل ملفت للأنظار ومدهش حقاً، والقضايا العملية البارعة لدى الامام علي كثيرة بشكل ملفت للأنظار ومدهش حقاً، بيد أنه هل يجد المحقق المتتبع بوناً بعيداً ما بين الأقوال والأعمال والنظرية والتطبيق؟" من هنا حاول المؤلف بموضوعية وبدقة تتبع ذلك ليقف القارئ على حقيقة الأمر في أن الكرم والإيثار لدى الامام كواقع فعلي ملموس، يعاضد بقوة وحصافة المسار التنظيري أو الفلسفي المتمثل بهذا الزخم البديع من الحكم والأقوال، والذي تم ايراده في ثنايا الكتاب، هذا اضافة لما ذكر من أمثلة كثيرة تدل على الجود والإيثار في شخصية الامام رضي الله عنه ما يدفع العملية التربوية والأخلاقية الى الامام، حيث أن البشرية بصورة عامة لا تتطور تربوياً وروحياً بمجرد استطلاعها الواسع الكبير على أفكار سنية أو قدسية في موضوع من المواضيع الرئيسية النامقة للحياة الفكرية، حتى ترى من يتمثل تلك الافكار ويعمل بها ويسعى الى تطبيقها. لقد أعطى الامام علي رضى الله عنه للكرم والايثار أبعاداً تأسيسية كبرى عقائدية وفلسفية وثقافية، بل أضفى عليها طابعاً موحداً وخلق منها نظرية متجانسة الحلقات متلاحمة الأجزاء والمفردات، مما فسح المجال وسيعاً أمام المؤلف أن يتحرك بانطلاق في مسافات الأبعاد ومساحتها الرحيبة. ومن هذا المنطلق سوف يجد القارئ أن هذا الكتاب المتخصص بجود أمير المؤمنين علي من أي طالب وإيثاره قد عبر عن منظومة حضارية في تفسير القرآن الكريم وعلم الحديث والدراية وفي الأدب والفلسفة والتاريح من دون أن يخرج عن الاطار الموضوعي للبحث.