لقد جعل الله عز وجل الإسلام خاتم الشرائع ، والرسالة الخالدة ، التي يمكن أن تأخذ بالبشرية لترتقي في مراتبها على أعلى المراتب الإنسانية بما تحققه من منهاج حياتيّ يضمن لها سعادتي الدنيا والآخرة . والتأمل في هذه الشريعة يجب فيها أن يأخذ بأولوياتها الأبعاد الإنسانية الخيّرة بما...

لقد جعل الله عز وجل الإسلام خاتم الشرائع ، والرسالة الخالدة ، التي يمكن أن تأخذ بالبشرية لترتقي في مراتبها على أعلى المراتب الإنسانية بما تحققه من منهاج حياتيّ يضمن لها سعادتي الدنيا والآخرة . والتأمل في هذه الشريعة يجب فيها أن يأخذ بأولوياتها الأبعاد الإنسانية الخيّرة بما يصون تلك الروابط الاجتماعية ، إذ إنها تعالج العديد من القضايا الإجتماعية المهمة في حياة الإنسان ، مما أسهم في تغيير العديد من العادات والتقاليد التي كانت مجحفة في حق الإنسان . فقد أكد التشريع الإسلامي على حقّ اليتيم ، بما يضمن له حياة كريمة ، من خلال كفيل يرعاه ويصون حقوقه ، وأولاً إغراق الكثير من الحب والحنان عليه بما يعوّضه عن فقد أبيه . لقد أولت الشريعة الإسلامية اليتيم بعناية متميزة بما يتضمن الرأفة والرحمة ، لتدبّر أموره وتنظيم شؤونه الحياتية كافة بعد فترة من معاناة لاقاها ، واضطهاد فرضه عليه العُرف الجاهلي الذي كان غارقاً في متاهات العصبية والإقتتال وسفك الدماء ، وهضم الحقوق ، فأشرقت شمس الإسلام عن جملة من التشريعات ، كانت قد نادت الشرائع السارية من قبل ببعض منها ، وبلورها الإسلام بأروع تجلّياتها وصورها في عشرات الآيات والكثير من الأحاديث الهادفة لبثّ أخلاقيات التعاطي مع اليتيم بما يكفل حقوقه . وإلى ذلك فإن اليتيم يمثل شريحة مهمة من شرائح المجتمع لا يمكن التغافل عنها . وإن إهمالها وتركها تصارع قدرها سوف يخلق مشاكل إجتماعية تفتّ من بنيته وتماسكه ، لأن اليتيم الذي يبقى بلا رعاية ولا مأوى ، يصبح مشرّداً فاقداً لأدنى حقوق الإنسان ، وسوف يرتدّ هذا الأمر سلباً على المجتمع ، حيث يكون قد ساعد على ضياعه ، مما يؤدي إلى انحرافه بما يؤذي من حوله . من هنا تأتي أهمية هذا البحث الذي يحاول المؤلف من خلاله إبراز التوجه الإسلامي لرعاية اليتامى ، سجالاً يقبل أدنى شك ، فالآيات القرآنية تشكل باباً فقهياً في أحكام رعاية اليتيم ، أضف إلى ذلك الأحاديث النبوية والسنة النبوية العملية ، مما دعا العلماء والفقهاء إلى استنباط الأحكام الفقهية الخاص باليتيم . من هنا عمد المؤلف إلى جمع كل ما ورد في شأن اليتيم مما ورد في القرآن الكريم والأحاديث النبوية ، وما ورد في طيّات بحوث العلماء المتعددة والمتفرقة في عدة مطالب من الفقه ، وما ورد لدى المفسرين في كتابه هذا . وقد شمل البحث أربعة فصول : تعرض في الأول منها لعدة بحوث تمهيدية تساهم في تحديد موضوع البحث بشكل أوضح ، حيث تطرق إلى البحث في المعنوي اللغوي لليتيم ثم المعنى الإصطلاحي ، مستشهداً بأقوال اللغويين والعلماء الأعلام ، ثم ليذكر المعنى المجازي لليتيم بسبب استخدام لفظ اليتيم مجازاً في بعض الآيات ... بينما عدّد في الفصل الثاني لبحث موضوع اليتيم في الملل والشرائع ، ليبيّن ومن خلال مقارنة عقدها عظمة ما قدمه الإسلام لليتيم ، فذكر ما ورد في حق اليتيم في الشريعة اليهودية من خلال نصوص العهد القديم ، أولاً ، ثم ما ورد لدى النصارى في الإنجيل بحق اليتيم . ولم يغفل عن وضع اليتيم في الجاهلية ، وما كان يجري عليه تلك المرحلة . ثم لينتقل في الفصل الثالث للحديث عن اليتيم في الإسلام ، وما وفّره له على صعيدين : الإكرام المعنوي ، والإكرام المادي وذلك بشكل مفصّل . وأخيراً خصص الفصل الرابع للحديث عن أموال اليتامى بما يشمل : 1- الحديث عن المحافظة على مال اليتيم وطريقة ذلك ، 2- مصادر تأمين نفقة اليتيم ، 3- الولاية على اليتيم من تحديد لمعنى الولاية ، وذكر الأولياء ، على ذكر حدود تلك الولاية . 4- تحديد الزمن الذي تسلّم فيه أموال اليتيم إليه ، وما يشترط فيه من البلوغ ، والرشد ، إلى الإشهاد حين تسليم الأموال لليتيم ، ثم ليتناول أخيراً مسألة الإحسان إلى اليتيم بعد البلوغ .