برز المؤرخ هشام جعيّط على الساحة الثقافية التونسية في السعبينات من القرن المنصرم من خلال لقاء تلفزيوني عبر من خلاله عن آراء جرئية حول الطقوس الدينية والسلطة الروحية في الإسلام. وقد أثارت مواقفه التحديثية ضجة في الأوساط الفكرية، إرتاح لها البعض وانتقدها البعض الآخر، وإلى...
برز المؤرخ هشام جعيّط على الساحة الثقافية التونسية في السعبينات من القرن المنصرم من خلال لقاء تلفزيوني عبر من خلاله عن آراء جرئية حول الطقوس الدينية والسلطة الروحية في الإسلام. وقد أثارت مواقفه التحديثية ضجة في الأوساط الفكرية، إرتاح لها البعض وانتقدها البعض الآخر، وإلى هذا فإن جعيّط المؤرخ التونسي تحدث في إحدى مقابلاته صحفية موضحاً موقفه من الطقوس الدينية، فذكر بأنه يرى بأن الديانة الإسلامية تعتمد على مجموعة عناصر هي: العنصر العقائدي والعنصر التعبدي والعنصر الأخلاقي. فهذه العناصر هي قاسم مشترك بين كل الأديان، لكن جعيّط يضيف ملاحظة جديرة بالتوقف عندها والتمعن فيها، ألا وهي شعار الإسلام دين ودولة حيث يقول بأنه ليس من الذين يرون بأن الديانة تكتفي بالتدين الروحاني الشخصي، فهذا ينطبق بالخصوص على الإسلام، ذلك لأن الإسلام دين تاريخي ودين جماعي، مضيفاً أنه ومن جهة أخرى له منطقه الخاص ليس بإمكاننا أن نجعل منه ديناً شخصياً يتوقف على إيمان رمزي وإيمان روحاني فقط، وهو ليس لديه في شك في وجود أشخاص أو قسم من الناس يتوقفون عند هذا الفهم الديني مكتفين بالديانة الوجدانية، وتبعاً لهذا يرى جعيّط وجوب المحافظة على الطقوس وعلى كيان الجهاز الإسلامي في مجموعه، ولكن بالمقابل يرى وجوب إعادة وتقويم مفاهيم هذا الجهاز في جملته. وتجدر الإشارة إلى أن مواقف جعيّط من الطقوس تنزل في إطار نقاش ديني فكري خاص بالتوجه السياسي والإجتماعي الذي نحتته الدولة التونسية بعد الإستقلال، حيث أن الرئيس بورقيبة قام بإصلاحات في ميدان التشريع والتي اعتبرت على أنها ثورة في التشريع، والتي لم تكن بالثورة ذات الصدى الهادئ والقبول الإيجابي العام، وكذلك رد على ما سيتبين للقارئ من هذا الحوار الذي ضمه هذا الكتاب، فإن هشام جعيّط لم يكن متفقاً كليّاً مع الكثير من الإجتهادات الفقهية من فترة حكم الرئيس بورقية وخاصة مع ذاك الإجتهاد الفقهي - السياسي الجريء (العمل خير من الصوم) حيث تمسك بفكرة ثابتة في أذهان المؤمنين بإعتبار الإسلام قائم على إعتقادات وفرائض عينية هي مكوناته الجوهرية التي بدونها لا يستقيم، ولكنه، وكما مرّ آنفاً، يضيف بأنه آن الأوان لإعادة تقويم مفاهيم هذا الجهاز في جملته، وسياسته هي هذه: لا إفراط ولا تفريط، يعني حتى وإن وجد مفكرون دينيون أو ساسة لديهم هواجس تحديثية "وقادرون على هضم المعنى الإسلامي وعلى إعطائه صبغة تتماشى مع حساسيتنا ومفاهيمنا المعاصرة بحيث يكون هذا الإسلام إسلام عصرنا "ينبغي مع ذلك" إلتزام الإحترام… إحترام تاريخية حتى تتوازن التقليدية بالتجديدية" فالتجديد في مجالي الفكر الديني والعبادات الطقوسية، يضيف جعيّط، له خطوط لا يمكن تجاوزها، وغير مسموح بالتالي "أن يقع من كل شيء وبدون رؤية". وبصورة عامة، فقد تحدث المؤرخ هشام جعيّط عن أمور كثيرة في هذا الإطار، تحدث عن الإصلاح الديني وشرطه أن تكون هناك خلافة إسلامية، تناول فلسفة التاريخ في إطار مفهوم الإستحلاف وأهوال القيامة ضدّ العقلانية والإنسانوية، تحدث عن الوهابية وعن التنوير الفاسد والحداثة المنقوصة، كما بين وفي إطار حديثه عن العلمانية ما هي العلمانية المذمومة وتلك المحمودة، وضع بورقيبة في الميزان، كما تحدث عن الإسلاميين وعن علاقتهم بالغرب مبيناً العلاقة الوطيدة بين تنظيم الإخوان المسلمين وبين الغرب (إنكلتره، فرنسا، أميركا) منذ نشأة هذا التنظيم بقيادة حسن البنا، وكاشفاً عن تمويل تلك الجهات له، موظفيه لصالحهم للوقوف في وجه الشيوعية وللتصدي لسائر القوى الثورية… تحدث هشام جعيّط من خلال هذا الحوار عن أمور هامة في إطار ما نشهده العالم من تفعيل للحركات الإسلامية والإسلاميين مبيناً ومن خلال منطقة كمؤرخ ومتابع وجوب وجود صحوة إسلامية وصولاً إلى إقامة دولة مدنية.