رحلة الزمن التي بدأت منذ الخلق الأوّل لأبينا آدم عليه السلام، مرّت بالعديد من الإنعطافات التاريخيّة التي كان لها الأثر الكبير في صياغة الإنسان الراشد، حتّى توصله بالنّهاية إلى دخول جنان الله عزّ وجلّ.وكان أبطال هذه الرّحلة المضنية هُم الأنبياء والأولياء عليهم السلام،...
رحلة الزمن التي بدأت منذ الخلق الأوّل لأبينا آدم عليه السلام، مرّت بالعديد من الإنعطافات التاريخيّة التي كان لها الأثر الكبير في صياغة الإنسان الراشد، حتّى توصله بالنّهاية إلى دخول جنان الله عزّ وجلّ. وكان أبطال هذه الرّحلة المضنية هُم الأنبياء والأولياء عليهم السلام، والصالحون والشّهداء، وحُسنَ أُولئك رفيقاً، الذين حملوا لواء الهداية والتحرير، هداية الإنسان إلى خالقه، ومن لا يعزب عن علمه مثقال ذرّة في الأرض أو السّماء، وتحرير الإنسان من الصنم بشكلية المادّي والإصطناعي، وتحريره من الثقافة الجامدة التي تربط عقل الإنسان بأغلال المجتمع، وضغوط الذّات وقوّة السلطان، وبريق المال والثروة، حتّى يصاغ بعد ذلك بصياغة الإيمان، وينطبع بطابع العبودية التي يقول عنها عزّ وجلّ: ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ(138)﴾... [سورة البقرة: آية 138].
إذاً من هُنا بدأت الرحلة، وإلى هنا انتهت، ولكن السؤال: كيف نقرأ المضامين الشّاملة لهذه الرحلة؟...
إنّ قراءتنا لهذه المضامين الحقيقية خلال هذه الرحلة الطويلة، بالطبع قراءتنا لتاريخ البشريّة الماضي الذي يشكّل دعائم لهذه المضامين، لا بدّ أنْ تكون قراءة باحث يبحث عن الحقيقة، هدفه الأسمى رؤية باصرة ونظرة ثاقبة لما جرى خلال هذه الرحلة، يفهم بها الماضي وينظر إلى الحاضر بمنظارها ويبني المستقبل على ضوئها.
ولهذا الأمر دعا القرآن الكريم ونادى العقل بضرورة قراءة التاريخ، لأنّ الدراسة الواعية للتاريخ تكشف السّياق الزمني الذي يسير على ضوئه الحاضر (الغائب) عن الأبصار، وعلى أساسها أيضاً تتشكَّل المحددات الأولى لصياغة المستقبل.
من هنا، كان لزاماً على المُصنفين أن يفهموا التاريخ بملاحظة هذه المعاني، لأنّ قراءته من دون هذه المعاني تعني أنْ تكون هذه الدراسة مطيّة للأهواء المذمومة، ومطبعة للأفكار المسمومة، وسوقاً يتشابه على المشتري فيه الصالح والفاسد؛ وحينها تقع الكارثة، حيث ينقطع الإنسان عن تاريخه، والمنقطع عن التاريخ كمّن لا أصل له، ولا يخفى أنّ الأصل يمدّه بالتجربة ويُصحح له المسيرة ويوحي إليه بصحّة المعتقد.
ولا تسأل عزيزي القارئ: ماذا يحصل بعدئذ لهذا الإنسان؟ إنّ دواعي المصلحة تعمي عينيه، فيقرأ التاريخ قراءة مغلوطة، يخطئ الصحيح ويصحح الخطأ، ويسود على طبق ذلك آلاف الأوراق ليثبت مدّعاه، لا سيّما وأنّ المال يدعمه، وصقل الأوراق يجمله، وحسن الأغلفة يبرزه، فيغتّر بذلك كلّ من يقرأ تاريخه إعتباطاً بلا تحليل ولا مقارنة، حتّى يقع بشعور أو لا شعور في الجمع بين أحداث متناقضة تاريخياً لا يجتمع أحدها بالآخر على الإطلاق.
وهذا ما حاول كاتب هذه الدراسة الوصول إليه، وقد وُفّق كثيراً إلى ذلك؛ حيث إنّه درس التاريخ دراسة تحليلية موضوعية منصفة، أعمد فيها العقل وآمن بالنقل، وفهم مطلوب الواقع المعاصر، فأيقن أنّ المنهج الأفضل هو منهج أهل البيت عليهم السلام.