العربيَّة مَبعَثةٌ للخلافِ بينَ المُنقطِعين لِدراستِها. فمنهم من يرى فيها الكمالاتِ، لا بل الكمالَ عينَه؛ فيمدحُ ويُطرِئ، ويُعظِّمُ ويبجِّلُ، ويُقدِّسُ ويؤلّه. ومنهم من لا يجدُ فيها سوى الشَّوائبِ، لا بل المَعابِ كلِّه؛ فيذمُّ ويقدحُ، ويحطُّ ويرذلُ، ويشمئزُّ وينبذُ.على...
العربيَّة مَبعَثةٌ للخلافِ بينَ المُنقطِعين لِدراستِها. فمنهم من يرى فيها الكمالاتِ، لا بل الكمالَ عينَه؛ فيمدحُ ويُطرِئ، ويُعظِّمُ ويبجِّلُ، ويُقدِّسُ ويؤلّه. ومنهم من لا يجدُ فيها سوى الشَّوائبِ، لا بل المَعابِ كلِّه؛ فيذمُّ ويقدحُ، ويحطُّ ويرذلُ، ويشمئزُّ وينبذُ.على أنَّ كلّاَّ من الفريقَين على خطأٍ ظاهرٍ؛ لانقيادِهم في أحكامِهم، لا إلى العقلِ والمنطقِ والحقِّ، بل إلى العواطفِ والخيالِ والظَّواهرِ والأغراضِ الشَّخصيَّة. الحقّ أنَّ العربيَّة – كسائرِ اللُّغات– غيرُ خاليةٍ لا من الغثِّ ولا من السَّمين. وإذا كانَت بأيدي أهلِها وسيلةً للتَّعبيرِ عمَّا يخالجُ عقولَهم من الخواطر، و يلعجُ في أفئِدتِهم من العواطِف، كانَ حظُّها كحظِّهم من كمالٍ ونُقصان. فإنَّ هم ارتفعوا، ارتفعت؛ وإنْ هم انحطَّوا، انحطت؛ وإنْ هم هبُّوا من سُباتِهم، هبَّتْ معَهم. صفوةُ القولِ: شأنُ اللُّغةِ مُجاراةُ أحوالِ المُتكلِّمين بها. العربيَّةُ اليوم في عصرِ انتعاشٍ، سبقَته حقبةُ خمودٍ وجمودٍ طويلةٍ. ولا تزالُ المساعي مَبذولةً لِسَدِّ الخلَلِ الطَّارئ عليها من شتّى الوجوه. ومن نواحي اللُّغةِ المُفتقِرة إلى الأصلاح، هي دونَ ريبٍ، ناحيةُ الُعجَمِيَّة. فإنَّها كانَت مُنذُ القديم – وفي عصرِنا هذا أكثر من كُلّ عصر – مظِنَّةُ للمَذامّ والمَطاعِن.