لا يختلف أثنان على أهمية التعليم وموقعه المحوري في حياة الشعوب والمجتمعات التي تعلق عليه الآمال من أجل ضمان تقدمها ونجاحها في تنفيذ خططها الاقتصادية والاجتماعية. وعلى الرغم من الاهتمام الكبير الذي توليه الحكومات العربية عموماً بنظام التعليم كونه(موقعاً لبناء المواطن...
لا يختلف أثنان على أهمية التعليم وموقعه المحوري في حياة الشعوب والمجتمعات التي تعلق عليه الآمال من أجل ضمان تقدمها ونجاحها في تنفيذ خططها الاقتصادية والاجتماعية. وعلى الرغم من الاهتمام الكبير الذي توليه الحكومات العربية عموماً بنظام التعليم كونه(موقعاً لبناء المواطن القومي)، وتمثيله (أحدى الوسائل الرئيسة للتنشئة الاجتماعية وغرس القيم والمعايير والأعراف في أجيال المستقبل)، إلاَ أن واقع المنظومة التعليمية والأزمات المزمنة التي تعانيها تقول بخلاف ذلك. ومرة أخرى، لا يختلف اثنان على التدهور الكبير الذي تشهده منظومة التَّربية والتعليم في البلدان العربية والمتمثل في طغيان الطابعِ النظري وبدائية الأساليب المستخدمة، وعدم قدرةِ الطلاب على الإفادة من المحتوى التعليمي المقدم لهم، ولهذا يتخرجون في المدارس والجامعات وهم ليسوا على درايةٍ بما يجب أن يفعلوه بعد التخرُّج إضافة إلى كثافة المناهج التعليمية والاعتماد على التلقين، وإهمال جانب التطبيق العملي لتلك المناهج. وبكلمات أخرى، ليس ثمة رؤية واضحة ومحددة للهدف من التعليم في ظل التمسك بمبدأ تغليب الكم على النوع، وعدم مراعاة احتياجات السوق، وانتشار ما يعرف بـ (مرض الدبلوما)، أو الرغبة الشديدة في الحصول على شهادة جامعية أو مؤهل عالي، أدى فقر المنظومة التعليمية الرسمية وعجزها عن تلبية احتياجات الطلاب والكوادر التعليمية على حدٍ سواء، إلى تولي أطراف أخرى هذه المهمة، ونتيجةً لذلك، برزت ظاهرة التعليم الأهلي والتدريس الخصوصي التي يستلزم الحديث عنها الحديث عن العوامل المختلفة المؤلفة لهذه المنظومة؛ ونعني بها المدرس، والطالب، والمنهج الدراسي والأبنية المدرسية، والنظام الإداري والذي يتحكم بهذه المكونات ويديرها بحسب توجهاته وقناعاته. وهذه الجوانب وغيرها تُمثل محاور هذا الكتاب الذي وظف جملة من الأدوات والمفهومات الأنثروبولوجية واستند إلى عددٍ كبيرٍ من المصادر المهمة التي اختصت بمناقشة قضايا التربية والتعليم.