يختلفُ علمُ الأنثروبولوجيّ الحديث عن العلوم الإنسانيَّة الأخرى لجهة اعتمادهِ على الخبرات الحقليَّة المُباشَرة بوصفها المصدرَ الرئيسَ للمعلومات. ويحصلُ الباحثون على المعارف والمعلومات الإثنوغرافيَّة والأنثروبولوجيَّة عن طريق العمل الحقليّ أساساً؛ وهذا العمل يمثّلُ،...
يختلفُ علمُ الأنثروبولوجيّ الحديث عن العلوم الإنسانيَّة الأخرى لجهة اعتمادهِ على الخبرات الحقليَّة المُباشَرة بوصفها المصدرَ الرئيسَ للمعلومات. ويحصلُ الباحثون على المعارف والمعلومات الإثنوغرافيَّة والأنثروبولوجيَّة عن طريق العمل الحقليّ أساساً؛ وهذا العمل يمثّلُ، عموماً، دراسةً تجريبيَّة طويلةَ الأمد تجعلُ الباحث في علاقةٍ مُباشَرة معَ الآخر. ويوظِّف علماءُ الأنثروبولوجيّ في عملهم هذا جملة من المناهج والتّقنيات الشّائعة في النُّظم المعرفيَّة الأخرى أمثال العمل الأرشيفيّ في التّاريخ والنُّصوص المقروءة في الأدب والإملاءات الخطابيَّة في علم اللُّغة والتَّجريب المُسيطر عليهِ في علم النَّفس. مُقابِل ذلك، عمل الباحثون في عددٍ كبيرٍ من النُّظم المعرفيَّة الأخرى في الإفادة من المناهج والمفاهيم والتَّقنيات الإثنوغرافيَّة. وعلى الرَّغم من تحوُّل العمل الإثنوغرافيّ إلى أداة بحثيَّة مهمّة في العديد من هذهِ النُّظم، إلاَّ أنَّ النّجاح الذي أحرزَه هذا العمل أسفرَ عن جملة من التَّساؤلات المُقلِقة والمُزعِجة. فهل يمكنُ اتّخاذ أي(كُتبت الكلمة بحروف مائلة لأغراض التوكيد) مكان موقعاً حقليّاً؟ وهل يمكنُ النَّظرَ إلى القراءة في السّجلات الأرشيفيَّة أو في المكتب الشّخصيّ للباحث في المنزل أو مكان العمل بوصفِه مُواجَهةً مع الآخر الذي يتحدَّث معه من خلال النّصّ؟ وهل تتساوى المواقعُ الحقليَّة والمُواجهات جميعاً من حيثُ القيمة الإنتاجيَّة أو الأهمّيّة.