الصمت.. اظلام .. العاصفة .. البرد.. أما النور فكان موضع شك عميق .. منذ أن دفعونا إلى هذا السرداب العتم، فرضت هذه الأشياء وجودها . إن المرء يمكن أن يضيع في دهاليز هذا السرداب . متاهة .. متاهة حقيقية. سجن ولا سجن. والضوء الشاحب المطل برأسه من السقف لا يمكن أن يخلق تورا حقيقيا. كل ما يمكن...
الصمت.. اظلام .. العاصفة .. البرد.. أما النور فكان موضع شك عميق .. منذ أن دفعونا إلى هذا السرداب العتم، فرضت هذه الأشياء وجودها . إن المرء يمكن أن يضيع في دهاليز هذا السرداب . متاهة .. متاهة حقيقية. سجن ولا سجن. والضوء الشاحب المطل برأسه من السقف لا يمكن أن يخلق تورا حقيقيا. كل ما يمكن أن يصنعه هذا الضوء، هو تحويل تلك الموجودات الخامدة إلى أشباح شبه مخيفة.
يشكل العنوان (الرجس) مدخلاً مناسباً إلى المتن الروائي في ما يريد قوله سمير نقاش لأنه يعكس جزئية معبرة عما يعيشه الأسير، في سجنه، تلك هي بوارة الرجس التي عاش منها الروائي في سجنه، بكل ما فيها من مرارات وعذابات يمارسها السجّان من جهة، وما فيها من قدرة على التحمّل والتكيّف مع الواقع القاسي التي يبديها كسجين من جهة ثانية. فشخصية البطل المحورية والمتخفية وراء الروائي في النص، هي شخصية إشكالية، وهي نتاج الهوية التي يحملها فهو على الرغم من ولادته في العراق إلا أنه يهودي الديانة، ما ولد لديه عقدة الإنتماء والحاجة الدائمة إلى اعتراف الآخرين به، بدءاً بالوطن الأم العراق، مروراً برفاق الدرب، وانتهاءً بسائر الناس. فبعد أن هُجرت أسرته قسراً إلى اسرائيل من ضمن مائة ألف يهودي عراقي بين عامي 1950 وعام 1951م وكان عمره لا يتجاوز الثالثة عشرة بقي سمير رافضاً لواقع العيش في إسرائيل ويعتز بانتمائه العراقي البغدادي، حيث حاول أكثر من مرة مع إبن عمه مغادرة إسرائيل سيراً على الأقدام إلى لبنان، ولكن سوء حظه أوقعه في يد السلطات اللبنانية وأودع السجن لمدة ستة أشهر، وأعيد إلى إسرائيل وبدورها اعتقلته بتهمة التجسس وسجن لمدة خمسة أشهر. وقد كتب هذه المغامرة في روايته التي بين ايدينا "الرجس" كشهادة على تجربة مؤلمة، عاشها في مرحلة تاريخية قريبة، تشكل تجسيداً حقيقياً لشخصية اليهودي العراقي والتي نجح سمير نقاش في إدخالها إلى الأدب كشخصية لها ابعادها الدرامية، وصفاتها المتفردة وهو ما يُحسب له ...