كانت كراهية «جورج أورويل» مُنصبة على نظام - أيًّا كان لونه الأيديولوجي - لا يجد الفرد فيه مهربًا من استعباد التكنولوجيا الحديثة. هذه التكنولوجيا الحديثة لا تتمثل فقط فيما لدى أصحاب السلطة من أسلحة وسجون ومعتقلات، بل ما لديهم من وسائل تجسس وتنصت وغسيل مخ. وكلها وسائل لا تزال...
كانت كراهية «جورج أورويل» مُنصبة على نظام - أيًّا كان لونه الأيديولوجي - لا يجد الفرد فيه مهربًا من استعباد التكنولوجيا الحديثة. هذه التكنولوجيا الحديثة لا تتمثل فقط فيما لدى أصحاب السلطة من أسلحة وسجون ومعتقلات، بل ما لديهم من وسائل تجسس وتنصت وغسيل مخ. وكلها وسائل لا تزال متاحة لمختلف الأنظمة اليوم. ويرى مفكرنا الكبير الدكتور جلال أمين أنه من المفيد - بل من الضروري - «تجديد جورج أورويل»، أي تتبع ما جدَّ من تطورات في طبقة الممسكين بالسلطة الذين يمارسون القهر في العالم، والأسباب التي أدت إلى هذه التطورات، ونوع الرسائل التي يرسلها أصحاب السلطة الجُدد إلى الناس من قبيل غسيل المخ. فإن ما طرأ من تطور لا يقتصر على أساليب الكذب، بل يطال أيضًا مضمون الكلام الكاذب. ويُظهر كاتبنا كيف أن القهر النفسي، بإثارة الشهوات والرغبات التي يصعب أو يستحيل إشباعها، حل محل الحرمان من الأجر العادل والتعذيب المادي، وكيف تغيرت، تبعًا لذلك، طبيعة شعور المرء بالاغتراب، وما ضاع منه وما تبقى له من وسائل لمقاومة الأنواع المختلفة من القهر. كتاب كاشف ومهم، فكما أكد «أورويل»، إن ظواهر الأمور غير بواطنها، وما يُقال لنا كثيرًا ما يكون عكس الحقيقة بالضبط، وعلينا أن نبذل جهدًا فائقًا لكي نرى ما يدور أمام أعيننا.