الإمام الشافعي هو محمد بن إدريس الشافعي؛ يلتقي في نسبه مع النبي صلى الله عليه وسلم في جّده عبد مناف. ولد بغزة سنة 150ه، وحمل إلى مكة، وطلب العلم على خالد بن مسلم الزنجي مفتي مكة، والفضيل بن عياض؛ وسفيان بن عيينة وغيرهم. ثم وصل إلى المدينة المنورة وعمره اثنتا عشرة سنة، وحفظ موطأ الإمام مالك كله، في تسعة ايام؛ متهيأً للقاء الإمام مالك وملازمته والذي صار فيما بعد من أهم طلابه، ثم لمّا مات الإمام مالك، رحل الشافعي إلى اليمن، وأخذ من طائفة من علمائها، ثم رحل إلى العراق وأخذ عن علمائها، وألّف هناك كتابه (الحبة) ، وجمع فيه مذهبه القديم، ثم انتقل من العراق إلى مصر؛ وفيها تغير اجتهاده في كثير من المسائل، فرجع عن أقواله القديمة، وأسس مذهبه الجديد، وأملى بها في كتابه (الأم) وجدد كتاب (الرسالة) في أصول الفقه؛ فكان بهذه الرسالة مؤسس علم أصول الفقه. وإذا قيل اليوم: في المذهب الشافعي القديم؛ فإنما يُراد به أقواله عندما كان في العراق المجموعة في كتابه (الحبة) .

وإذا قيل مذهب الشافعي الجديد: فيراد به أقواله، عندما كان في مصر، التي جمعها في كتابه (الأم) . ولا يجوز الإفتاء بالمذهب القديم إلا في ثماني عشرة مسألة، فيعمل بها في المذهب القديم، وإن وجد ما يخالفها في المذهب الجديد.

وبالعودة، فإن هذا المصنّف "العصارة الفقهية ..." هو تجميع لأقوال فقهاء الشافعية، في مصنفاتهم الفقهية المختلفة في قسم العبادات، وقد عمد المصنّف إلى انتخاب المناسب من المتون المبسوطة مثل الحاوي للماوردي؛ ونهاية المطلب لإمام الحرمين الجويني، والوسيط للإمام الغزالي؛ والبيان للإمام العمراني؛ والتهذيب للإمام البغوي، وبحر المذهب للإمام الروياني، والمهذب للشيرازي، كما اختار من كتاب الإمام النووي "الروضة"، ومن كتاب "العباب" للإمام المزجّد، ما يناسب مصنفه هذا، بالإضافة إلى ذلك عمد إلى مراجعة شروحات "منهاج الإمام النووي" للأئمة "الدميري" ، و"إبن قاضي شهبة" و "إبن مطير" ، كما راجع "شرح إبن حجر الهيتمي للمقدمة الحضرمية المعروف "بالمنهج القديم"، وكذلك شرح باعشن عليه؛ كما وشرح سفينة النجا للجاوي، وشرح الإمام الرملي لزبد إبن رسلان، إضافة إلى "شرح الشربيني لمختصر أبي شجاع"، ومراجعة المختصرات المشهورة مثل: "عمدة السالك" لإبن النقيب، وكتب المسائل الفقهية مثل "قلائد الخرائد" لعبد الله باقشير، و "المجموع في مهمات المسائل" للسيد طه بن عمر بن طه الصافي السقاق (ت 1063ه) ، و "بغية المسترشدين" للعلامة عبد الرحمن بن محمد المشهور كما اطّلع على كتب الفقهاء المتأخرين مثل "شرح الياقوت النفيس" للعلامة محمد بن أحمد الشاطري (من سنة 1422ه)، بالإضافة إلى كتاب "التقريرات السديدة" للفقيه المعاصر حسن بن أحمد الكاف، ثم لينتخب من كل ما سبق ما هو مناسب لمادة هذا الكتاب الذي جعله مقتصراً على قسم العبادات فقط، دون تعرضه للأبواب الأخرى. إلى جانب ذلك فقد عمد المصنّف إلى إثراء الدروس الفقهية التي تعتمد في الغالب على مصنف واحد، فقال بإيراد أقوال عدد من الفقهاء في كل باب من أبواب قسم العبادات، مما يوضح المسائل، ويبيّن المقصود ويوسع مدارك الدارسين، ويغني من الشرح والتقرير.

وهنا وفي هذا المجال يشير المؤلف بأن هذه الأقوال وإن تشابهت، لكن لكل إمام من هؤلاء الأئمة الكبار طريقته المختلفة في العرض، وأسلوبه المغاير في الشرح، مما يوضح الصورة، ويجعلها ناصعة جليّة وبالنظر إليها من زوايا مختلفة بعيون هؤلاء الأئمة المجتهدين الكبار.