لا شك أن الشفاعة حقيقة إسلامية ناصعة لا يسع مسلماً إنكارها، فقد نطقت بها نصوص القرآن الكريم، وتواترت في السنة النبوية المطهرة، وروايات أئمة أهل البيت عليهم السلام، واتفقت كلمة علماء المسلمين على أنها من الأصول الأساسية في العقيدة الإسلامية، وإن اختلفوا في تفاصيلها.

ومع ذلك لم تسلم هذه الحقيقة الناصعة من محاولة إثارة الغبار حولها، والتشكيك فيها. فقال البعض الشفاعة تستلزم الظلم من الله سبحانه، أو إنها تدعو العبد إلى التجري وارتكاب ما نهى عنه تعالى، وتتنافى مع الدعوة للسعي والعمل، وقال بعضهم إن آيات الشفاعة من المتشابهات، أو إنه ليس في القرآن نص قطعي في وقوع الشفاعة، إلى غير ذلك من الشبهات.

ونظراً لأهمية هذه العقيدة الحقة، وما تحظى به من دور إيجابي في بناء عقيدة المسلم وترشيد سلوكه، وبغية بيان الحقيقة وإزالة ما حصل من التباسات في فهم هذه المسألة والإجابة على ما أثير حولها من إشكالات وشبهات فقد جازت الدراسة لتتناول مفهوم الشفاعة والأمور المتعلقة بها، وذلك على ضوء آيات القرآن الكريم والأحاديث الشريفة المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم وآله وأئمة أهل البيت عليهم السلام، إضافة إلى ما ورد عن علماء المسلمين من رواة الحديث والمفسرين من الفريقين.

لقد بحث الشفاعة في جوانبها المختلفة ووزعنا البحث على ستة فصول تناول أولها مفهوم الشفاعة لغة واصطلاحاً سواء في الاستعمال العرفي والعقلاني، أو الاستعمال الذي ورد في القرآن الكريم، مع بيان أقسام الشفاعة، ومنها الشفاعة التكوينية والتشريعية، كما تم تبيان الحدود الفاصلة بين الإسلام والوثنية في مسألة الاستشفاع، وختم الفصل ببحث في بيان حقيقة فعل الشفيع.

ثم عرض في الفصل الثاني لاتجاهات العلماء من الفريقين السنة والشيعة، في بيان طبيعة الأثر المترتب على الشفاعة التشريعية. وانتقل في الفصل الثالث لمناقشة الإشكالات المثارة حول الشفاعة، وضم هذا الفصل نكات وفوائد وعظات أخلاقية نافعة في المقام. أما الفصل الرابع فتحدث عن الشروط التي ينبغي توفرها في المشمولين بالشفاعة، كل ذلك معضوداً بالآيات القرآنية.

أما الفصل الخامس فتمت مناقشة مسألة الشفعاء، ثم تم التحدث عن الشفاعة في الدنيا ومنها التوبة، والشفاعة في الآخرة، و لا سيما شفاعة القرآن الكريم وشفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وآله وأهل بيته الأطهار عليهم السلام. وأخيراً تناول الفصل الأخير وهو السادس المسألة المختلفة بين إتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام وبين الاتجاه السلفي، وهي: مسالة جواز طلب الشفاعة من الشفعاء، فتم ذكر الوجوه التي يستدلون بها على عدم الجواز وأجيب عليها بأسلوب واضح يلتزم أصول البحث العلمي، ويراعي المنهج السليم في العرض والتحليل.