-
/ عربي / USD
أصبحت لا أقيم للتاريخ وزناً ولا أحسب له حساباً لأني رأيته بيت الكذب ومناخ الضلال ومتشجم هواء الناس، إذا نظرت فيه كنت كأني منه في كثبان من رمال الأباطيل قد تغلغلت في ذرات ضئيلة من شذور الحقيقة.
ولئن أرضيت الحقيقة بما أكتبه لها لقد أسخطت الناس عليَّ، ولكن لا يضرني سخطهم إذا أنا أرضيتها، كما لا ينفعهم رضاها إذا كانت على أبصارهم غشاوة من سخطهم عليَّ، وعلى قلوبهم أكنة من بغضهم إياي.
فإن قلت أيها القارئ الكريم من يضمن لك أن ترضي الحقيقة؟ وهل رضاها عنك فيما تكتبه هنا إلا دعوى مجردة. قلت كفى بحرية الفكر ضامناً لي رضاها وما عليّ في نجاح هذه الدعوى مني وصدقها إلا أن أفتكر حراً وأكتب حراً فإن أصبت ما أردته لها فقد أرضيتها، وإن أخطأت فلي ما يعذرني عندها من أنني لا أقصد إلا رضاها ولا أنحاز إلا إلى جانبها. وإذا كنت لا أتبع هوى النفس فيما أكتبه عنها فما أنا بمسؤول عما لا طاقة لي به منها.
أما سخط الناس من أجل أنني خالفتهم لوفاقها وصارحتهم في بيانها جرياً على خلاف ما جروا عليه من عادات سقيمة وتقاليد واهية فلست مبالياً به ولا مكترثاً له. وإني لأعلم أنه سيغضبون ويصخبون ويسبون ويشتمون، فإن كنت في قيد الحياة فسيؤذيني ذلك منهم، ولكني سأحتمل الأذى في سبيل الحقيقة وإلا فليس لي أن أهتف باسمها ولا أن أدعي حبها كما يدعيه الأحرار، وإن كنت ميتاً فلا ينالني من سبابهم خير كما لا ينالهم منه خير فإن سب الميت لا يؤذي الحي ولا يضرّ الميت، كما قال محمد بن عبد الله عظيم عظماء البشر.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد