تشكلت الدولة العراقية الملكية في عام 1921، وصدر أول دستور "القانون الأساسي العراقي" في 21 آذار 1925 حدَد شكل ونظام الحكم فيها، إذ نصت المادة الثانية منه على أن "العراق دولة ذات سيادة وحكومة ملكية وراثية شكلها نيابي، وإن سيادة المملكة العراقية للأمة، التي تقوم على أساس انتخاب ممثليها في مجلس النواب"، ومن ذلك تأتي أهمية الإنتخابات، لأنها تمثل ممارسة ديمقراطية لاختيار حكومة تتمثل فيها إرادة الأمة، وتقدم فرصة للأحزاب السياسية لطرح مناهجها إلى الرأي العام في سياق المنافسة السلمية للفوز بثقة الشعب، وتتحمل المسؤولية أمام نوابه، وتوفر منبراً لتبادل الآراء بشأن القضايا العامة بين الحاكمين، والمحكومين فضلأً عن أنها تعزَز شرعية الحكومة المنتخبة وتجسد قيمة الإنسان في المجتمع، وتعمَق شعوره بأهميته كمواطن له حقَ التعبير عن رأيه في ظل مبدأ سيادة الأمة الذي يضمن لكل مواطن حق ممارسة السلطة في انتخاب من يمثله.
تناولت الدراسات التأريخية هذا الموضوع ولم تدخل في تفاصيل هذه الممارسة الدينقراطية، وأثرها في الحياة السياسية، وانصبت على مواقف المجالس النيابية من الأوضاع السياسية والإجتماعية الإقتصادية بشكل مفصل، ولم تلتفت إلى العملية الإنتخابية التي تمثل جوهر الحياة النيابية، التي كانت عرضة للتلاعب من قبل الفئة الحاكمة، لضمان بقائها وشرعنت وجودها، ومن هنا تظهر أهمية اختيار موضوع الدراسة، بقصد متابعة سير العملية الإنتخابية في ظل التطورات السياسية، ونشاط الأحزاب، ومدى تدخَل الفئة الحاكمة في إجراءاتها. ومنذ تأسيس الحكم الملكي، حتى نهايته في عام 1958، شهد العراق ست عشرة دورة انتخابية لمجلس النواب، وقعت ثلاثاً منها في ظل الإنتداب، وثلاث عشرة دورة في ظل الإستقلال، بعد أن أصبح العراق عضواً في عصبة الأمم عام 1932.
انصبت هذه الدراسة على المدة من عام 1933 إلى عام 1958 لأنها تمثل مرحلة تاريخية جديدة في تاريخ العراق الحديث، بعد أن تجسدت سيادة الأمة في حصول العراق على استقلاله، ولم يتطرق البحث إلى الدورات الإنتخابية الثلاث الأولى لوقوعها في حقبة الإنتداب البريطاني الذي ألقى بظلاله على الحياة السياسية، وغيبت إرادة الأمة في ظله. يضاف إلى ذلك موضوع الإنتخابات يستحق الدراسة والتأمل والتحليل، لما له من انعكاس على الحياة العامة في العراق، وموقف الرأي العام منها، وتوجهات الأحزاب السياسية والجمعيات والنقابات ومواقفها. وتهدف الدراسة إلى تحليل سير العملية الإنتخابية في ظل التطورات السياسية ونشاط الأحزاب ومواقفهم وأطروحاتهم اتجاه القضايا السياسية، والإقتصادية، والإجتماعية وموقف الحكومات المتعاقبة من ضمان سلامة الإنتخابات وحيادتها.