تقدم دراسة تاريخ حرب التحرير الوطنية الكورية للمناضلين العرب فائدة لا تقدر نظراً لأنها تشابه نضال الأمة العربية من عدة وجوه: فهي حرب الفقير ضد الغني، ونضال الضعيف ضد القوي، وتشكل نقطة احتكاك ساخنة وسط إطار الصراعات الباردة. ولقد برهنت الحرب الكورية بالدليل العملي القاطع على أن شعباً صغيراً أفقره الاستعمار وامتص دماءه استطاع بعد فترة قليلة من الاستقلال أن يهزم هجمة إمبريالية شرسة شنتها عليه قوى العدوان العالمية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وأن يحقق معجزة تاريخية رائعة بفضل صموده وإيمانه بالنصر، والتفافه حول قيادته المناضلة المنبثقة من بين صفوفه، وحزبه الجماهيري الحقيقي العامل لمصلحة الجماهير الكادحة العريضة، وجيشه الشعبي المتلاحم معه والذي يجسد اسمى درجات التضحية والفداء.
ولقد ردت حرب التحرير الوطنية الكورية قبل أكثر من عشرين سنة، على هرطقة القائلين بعجز الشعوب الفقيرة عن مجابهة قوى الإمبريالية العالمية، ومناطحة القوة الأميركية الجبارة، واستطاع الشعب الكوري خلال حرب دامت ثلاث سنوات تدمير أسطورة الجيش الأميركي الذي لا يغلب، والتفوق الجوي الساحق القادر على تحقيق النصر.

ولا شك في أن الشعب الكوري تلقى خلال حربه المريرة كثيراً من مساعدات دول المعسكر الاشتراكى وتأييد الدول المحبة للسلام، ولم تكن هذه المساعدات وذاك التأييد سوى دليل على وحدة معسكر النضال ضد الإمبريالية، مقابل وحدة هجمة المعسكر الإمبريالي الشرسة ولكن هل كان بوسع إعداد الإمبريالية أن يقدموا للشعب الكوري مثل هذا الدعم والتأييد لو لم يكونوا متأكدين من أنه شعب مصمم على النضال وأن نظامه الاجتماعي وقيادته ساعدت على إعداده في كافة المجالات وجعلته مستعداً بالفعل لمهاجمة القوى الإمبريالية؟

في هذا الإطار تأتي الدراسة التاريخية التي بين أيدينا والتي أفردها للبحث في تاريخ "حرب التحرير الوطنية" الكورية والتي امتدت من سنة 1950م لغاية 1953م، ودارت رحاها بين الجيش الكوري المدافع عن أرضة وجيش الأميركي النازح لاستعمار أراضي غيره، كما وأفردت بعض فصول هذه الدراسة لتحديد طبيعة هذه الحرب التحريرية ولأسبابها ولجذور الموقف الاستعماري الأميركي وللتأثيرات التي نتجت عن اندلاع هذه الحرب سواء على الجانب الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي، ولردود فعل الدولة المجاورة لكوريا، وأخيراً تم تقييم الدور الذي لعبه المارشال كيم ابل سونغ في هذه الحرب