هذه الموضوعات "في التنظيم والتربية الحزبية" تهدف إلى المساهمة في تكوين إطار عام للتثقيف حول المسألة التنظيمية وحقل للدراسات الهادفة إلى بلورة نظرية متكاملة في التنظيم.إن هذا الميدان من الحياة النضالية، ما يزال يعاني الكثير من الإهمال والارتجال داخل قوى الثورة العربية. وهو...
هذه الموضوعات "في التنظيم والتربية الحزبية" تهدف إلى المساهمة في تكوين إطار عام للتثقيف حول المسألة التنظيمية وحقل للدراسات الهادفة إلى بلورة نظرية متكاملة في التنظيم. إن هذا الميدان من الحياة النضالية، ما يزال يعاني الكثير من الإهمال والارتجال داخل قوى الثورة العربية. وهو يعكس مظهراً من أبرز مظاهر أزمة الحركة العربية الثورية. ذلك أن الممارسة التنظيمية ما تزال إلى حد بعيد، تسير في مسالك التلمس الغفوي أو التجريب المفتقر إلى التخطيط وإلى الأبعاد النظرية التي تحقق وحدة الفكر والممارسة.
وقد حان الوقت لكي تتركز الجهود في هذه الأرض البكر لاستدراك التخلف والنقص في هذا الجانب من حياتنا النضالية، وإخصاب الأبحاث التنظيمية باتجاه بلورة نظرية في التنظيم تحدد وتطور المبادئ والمنطلقات التي ينبغي أن يقوم عليها العمل الثوري الهادف إلى بناء الوحدة العربية وتحرير فلسطين والوطن العربي وتحقيق المجتمع الاشتراكي. وإذا كانت المرحلة الراهنة من تاريخ النضال القومي الاشتراكي العربي تتسم بكونها مرحلة مراجعة شاملة للمسيرة العربية القومية، فإن المجال التنظيمي يشكل موضوعاً هاماً من موضوعات هذه المراجعة العامة.
ولا شك أن المتتبع للمحاولات المدرجة في هذا الكتاب، سوف يجد فيها جهداً يصب في هذا الاتجاه. فهي بالإضافة إلى ما تعكسه من استيعاب واع لحاجة العمل الثوري العربي للصيغة التنظيمية العلمية المتجاوبة مع الضرورات التاريخية الراهنة، تشكل في مجموعها خطوة في طريق الوصول إلى هذه الصيغة المطلوبة.
وهي تؤلف، رغم تعدد الموضوعات وتنوعها واختلاف المؤلفين نظرة موحدة إلى طبيعة العلاقة التنظيمية كرابطة علمية بين الجانبين الذاتي والموضوعي من حياة المناضل وحياة الحركة الثورية التي ينتمي إليها. فالنظرة إلى الإنسان وإلى المجتمع وإلى المرحلة وإلى نضال العالم، تأتي موحدة ومتكاملة تقريباً. ومن هذه النظرة تشع الفكرة الأساسية التي تعالجها الموضوعات المتعددة التي تغطي مختلف أوجه العلاقة التنظيمية، وخاصة العلاقة الجدلية بين المناضل والحزب، بين التنظيم الداخلي والعمل الجماهيري، بين التنظيم القطري والهوية القومية، بين النضال الشعبي واستلام السلطة، بين الديموقراطية والمركزية، بين النظرية والممارسة، بين الفكرة والانتماء الطبقي... الخ.. لذلك فإن مطالعة هذه الأبحاث تدخل القارئ مباشرة في جو التفتيش عن الصيغة الكلية المترابطة ترابطاً متكاملاً التي تتوج المرحلة النضالية السابقة ويمكنها أن تشكل أساساً لانطلاقة العمل العربي الثوري في المرحلة الجديدة الراهنة.
فإذا ما ربطنا بين الوجه التنظيمي للنضال العربي المعاصر وبين الوجوه الإيديولوجية والسياسية على ضوء الظروف الموضوعية الراهنة لهذا النضال، أدركنا أن تطوير الشامل الذي تحتاج إليه حركة الثورة العربية بوجه عام، حتى تتمكن من تخطي الصعوبات التي تتجمع في طريقها، وعلى التناقضات التي دخلت فيها بعد هزيمة حزيران.