لقد نال الجزء الأول من مذكرات طه الهاشمي، الذي نشر في سنة 1968، والذي يتناول الفترة الواقعة 1919-1943 التقدير الذي يستحقه. فكتب عنه في أكثر من لغة واحدة، وأصبح إحدى المراجع الأساسية لدراسة الحقبة من تاريخ العراق الحديث. وهذا الجزء الثاني، الذي يتناول فترة 1942-1955، لا يقل أهمية عن الجزء الذي سبقه، مع ما بينهما من اختلافات. ففي الجزء الأول كان طه الهاشمي رئيساً لأركان الجيش العراقي، فنائباً في المجلس النيابي، فوزير للدفاع، ثم رئيساً للوزراء. هنا في هذا الجزء، هو رئيس للجبهة الشعبية المتحدة، إحدى الأحزاب الوطنية في عراق ما قبل الثورة، ثم هو نائب لرئيس مجلس الإعمار. فهو إذن ليس من صانعي القرارات السياسية في العراق، دوره المباشر في السياسة والحياة العامة أقل أهمية.
ولكن مقابل هذا، نرى أن الروايات التي يسجلها نقلاً عن آخرين قد زاد عددها في هذا الجزء. هنا نراه يسجل كما في الجزء الأول، ما سمعه من مختلف الأشخاص، في مختلف الأوقات والأمكنة، عن مختلف الحوادث، الحاضرة والماضية، ذاكراً، إلا فيما ندر، أسماء رواة ما دوّنه. ولذلك يمكننا القول بأن الهاشمي في هذا الجزء من مذكراته يقوم بتسجيل "تاريخ شفهي" للعراق ما بين 1942 و1955. والتاريخ الشفهي الذي يسجله هنا، ككل تاريخ شفهي آخر، فيه الهام جداً، وما هو غيرها، الصحيح وغير الصحيح.

ولكن الهاشمي ليس مسؤولاً شخصياً، بأي حال من الأحوال، عما يسجله "تميز الهاشمي في مذكراته بالصراحة مع نفسه؟ وبالقدرة على النظر إلى الأمور من أكثر من زاوية واحدة. هذه الخصائص أعطت مذكراته قيمةً ولوناً فريداً خاصاً بها. وهو هنا، كما في الجزء السابق، يكتب ببساطة متناهية، بدون تزويق أو تنميق، وهذا ما يزيد من روعة ما كتب. ولعل ما دون بتواريخ 20 نيسان 1943 و10 مارس 1943 و13 كانون الأول 1943 يمكن مقارنة بأفضل ما كتب في أدب السياسة بأية لغة من اللغات.

كما وأن له صفحات مؤثرة كتبها عام 1944 في تركيا عندما كان الأمير عبد الله قد منعه من العودة إلى العراق. ومؤثر للغاية، كذلك، ما دونه في 20 نيسان من العام نفسه في الأستانة، عندما يشاهد من شباك المستشفى حديقة مزهرة، فيتذكر بغداد وحديقة داره فيه. وبشكل عام إن مذكرات الهاشمي هذه لا تتعلق بالعراق فقط، ولكنها تشمل أيضاً سوريا والقضية الفلسطينية في فترة دقيقة جداً فترة الحرب العربية-الصهيونية الأولى وقيام دولة إسرائيل والسنوات الأولى من استقلال سوريا وانقلاب حسني الزعيم وما تلاه.