-
/ عربي / USD
"وصلنا إلى مطار الله عند المغيب، كان يوماً شديد البرودة فى منتصف شهر كانون الأول. الطرق خالية إلا من المصفحات البريطانية، وسيارة يوسف صايغ "الهمبر"، السيارة المدنية الوحيدة في الطريق بين القدس والله. كان يوسف يوصلنا، أخاه فايز وأنا، إلى مطار لركوب الطائرة في طريقنا إلى أميركا للدراسة، فايز غلى جامعة جورجتاون في واشنطن وأنا إلى جامعة شيكاغو... أتذكر الآن حادثة وقعت في الفترة التي غادرت فيها بلادي، في أواخر سنة 1947 عمت البلاد موجه حماسية عارمة بسبب قرار التقسيم فقام طلاب الجامعة الأميركية في بيروت بمظاهرات في الشوارع يطالبون بالتطوع في صفوف "جيش الإنقاذ". قبلت طلباتهم وسجل عدد كبير منهم أسماءهم في مراكز التطوع وأعطيت لهم التعليمات أن يحضروا إلى ساحة البرج في اليوم التالي لتقلهم إلى حمص للتدريب. ومن المئات الذين سجلوا أسماءهم، لم يحضر في اليوم التالي إلا عدد ضئيل يعدّ على أصابع اليد..."
هذا الكتاب حصيلة فترة قلقة في حياة هشام شرابي المثقف العربي بدأ في كتابتها صيف 1975 ليسجل فيه نهاية مرحلة من حياته ظن أنها انتهت، وبداية مرحلة جديدة ظنها بدأت أو على وشك أن تبدأ، لا أن المرحلة الجديدة لم تتحقق والمرحلة السابقة ما زالت مستمرة. فالوطن ضاع والغربة مستمرة، وإحساس يغمره في لحظة كتابة تلك الذكريات أن الفرصة قد فاتته وأنه لن يعدو أبداً إلى وطنه، بل سيمضي ما تبقى له من العمر في البلاد الغربية، وسيموت فيها ورغبة ملحة تنتفض بداخله، بل لا بد سيعود إلى وطنه إلى أناسه إلى حياته التي طالت غربته عنها. وبقدر ما حملت تلك الذكريات من وجدانيات عبقت بأنفاس الحنين والضياع عن الوطن، بقدر ما ساقت أحداثاً مهمة يمكن إدراجها في خانة التاريخ الفلسطيني لتلك المرحلة الهامة لهذا الوطن.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد